عرف الفلاسفة الفن بانه هو التعبير الفني لفكرة دينية للانسان او بواسطة الانسان و ان الدين و الفن توأمان منذ البداية فهو يولد في معظم الحالات في خدمة الدين فتماثيل الآلهة و صورها و اماكن العبادة و مستلزماتها كانت اهم مظاهر الفن منذ البداية .
يتميز التصوير الإسلامي الذي عرف باسم "المنمنمات" بخصائص مميزة تشمل الجوانب التقنية والأسلوبية والوظيفية التي يطمح إليها هذا التصوير، وينطلق هذا كلّه من فلسفة تتناول الإنسان والكون والدين في إطار عرفاني، وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالم المادي وبين العالم الروحي ربطاً محكماً ينزع إلى الكمال ويجعل من أعمال الفن نمطاً فريداً في مزاياه، تقربه من أن يكون نوعاً من ممارسة طقس ديني، وقد ارتبط هذا النوع من التصوير بتطور المخطوطات التي تناولت شتى المعارف العلمية منها والادبية ، إن عبارة منمنمة تتصف بسعة دلالتها، فهي إنتاج فني صغير الابعاد، يتميز بدقة في الرسم والتلوين، وهو اسم يطلق عادة على الاعمال الملونة وغيرها من الوثائق المكتوبة المزينة بالصور أو الخط أو الهوامش المزخرفة، وقد حقق فن المنمنمات المرتبط بالمخطوطات كمالاً رفيعاً خلال القرون الوسطى في الشرقين الأوسط والأدنى وحتى في أوروبا ذلك أن المنمنمات التي تزخر بها الفنون الإسلامية لها مداخلها ومخارجها وأنماط تدليلها، إن في كل منها نصاً، وككل النصوص التي تتحدد باعتبارها تنظيماً خاصاً لوحدات دلالية متجلية من خلال الرموز والإشارات والعلامات في أوضاعها المتنوعة والتفاعل بين هذه العناصر، وأشكال حضورها في الفضاء والزمان يحدد العوالم الدلالية التي تكتنزها المنمنمة. ومن هذه الرؤية لا يمكن للمنمنمة أن تتحول إلى نص إلا من خلال عملية انتقاء مزدوجة هي انتقاء الرموز والعلامات والإشارات التي يجب أن تظهر وانتقاء العناصر التي يجب أن تختفي.
فالمنمنمة بتكوينها الجمالي والاجتماعي والنفسي كانت مرآة دقيقة تعكس إيقاعات تلك العصور، وقد نختلف عن مدى قيمة وأهمية هذه الإيقاعات مقارنة بدوامة وحركة حياتنا اليوم، ولكنها بالنتيجة هي محصلة فكرية وجمالية لتقاليد وقيم وسلوكيات ، و في سياقها التاريخي والجمالي ليست مجرد عملية فنية وجمالية وإنما تحديد لأنماط البيئة المتعددة التي يعيشها الإنسان في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تجتمع في قاعدة مثالية للفعل الإنساني، ولهذا فإن عملية إدراك دلالاتها لا يمكن إلا ضمن نسق كلي لايتجزأ وفق سياق يمنح العنصر المحدد داخل فضائها المغلق، دلالة تنأى به عن أصله لتحيله إلى فضاء تطور الفكر الإنساني أنتروبولوجياً، أي أن تنظيم الدال أو الدوال ضمن الأشكال الأيقونية في المنمنمة ونمط توزيع الوحدات المكونة لها هما المتحكمان في عملية إنتاج المعنى وتحديد طبيعته.
و عليه فعند حديثنا عن فنون المنمنمة يجب الا نغفل شيئين مهمين
الأول: تاثر الفن الاسلامي بالفنون الاخرى و خاصىة الفنين الصيني و البوذي بشكل واضح منذ ان دخل التتار إيران كما يمكننا القول أن الأثر سابق على ذلك الغزو و حيث أن المبدأ الذي تتشكل فيه المنمنمة المتضمن كل الأشكال التعبيرية والوظيفية التي يتوسل بها الرسام والخطاط والمزخرف في إنتاج دلالاتها هي في الحقيقة لايمكن تاويلها خارج بيئتها الزمانية والمكانية ، فقد كانت العلاقات التجارية و الاقتصادية من أهم العوامل التي ساعدت على التواصل الاحتكاك الفني و الثقافي بين فناني طريق الحرير و كذلك انتشار الدعوة الاسلامية ، و قد قدرت بعض الاحصاءات عدد المسلمين بحوالي مئة ألف بالرغم من أنه أثناء ثورة هوانج شو 879م قد تم طردهم جميعاً و حتى مع امكانية أن الرقم مبالغ فيه جدا فإن هذا يعكس مدى قوة شبكة المسلمين التجارية عبر طريق الحرير في هذه الفترة مروراً بالتبت و الصين و مع الحجم من التبادل الاقتصادي كان لابد من وجود تبادل ثقافي و قد وجدت ايضاً ادلة على التفاعل و الاتصال بين التجار المسلمين و الراهب الياباني اينين Ennin الذي وجد في الصين في الفترة ما بين (838م – 847م ) و كذلك بين اناس آخرين من شامبا و فيتنام و رغم ذلك فقد ظلت معرفة التجار المسلمين للطقوس البوذية في حدها الأدنى ، و قد وصف اينين Ennin التفاعل و التبادل الثقافي و التجاري بين البوذيين و المسلمين بأنه متفرد و على مستوى رفيع و لكن لا يوجد الكثير من المراجع لتأكيد الصلة في هذه الفترة .
و الثاني وجودعاملين أساسيين يوحدان كل الموجودات في رسوم المنمنمة بالرغم وجود كل ذلك التنوع في منابع الرؤية :
1- شدة تأثير المضمون الفكري والحكائي والروائي للمنمنمة. في وحدة الموضوع وتسلسل الأفكار والأحداث والوقائع. مما يجعل كل المفردات ترتبط بهذا الأصل فلا تحيد عنه مهما اختلفت وتنوعت مفرداتها
2- إعادة صياغة كل الموجودات في شكلانية صورية اتصالية تعي بدرجة عالية قيمة التكوين الفني ضمن المنطق الجمالي للفن الإسلامي والذي استوعب كل التأثيرات الفنية والجمالية والرموز التراثية والشعبية للأمم والشعوب التي انطوت تحت لوائه. فتحوّل تنوع التقانات والمفردات إلى ثراء جمالي تزخر به المنمنمة في محاولة للإفصاح عن كل شيء في هذه المساحة المحدودة
بداية مدارس التصوير البوذي "رسم كهوف آجانتا " عهد الجوبتا :-
رسوم آجانتا الحائطية هي صورة للتناغم و التوافق للقيم الجمالية في الموضوع و المعنى و التي أريد التعبير عنها من الفنان رغم أن التراث الصوتي كان الخلفية الوحيدة التي اعتمد عليها الفنان للتعبير عن رؤيته الفنية فهذه كانت الرسوم الأولى المصورة للحكايات البوذية على الإطلاق ، و قد تميزت رسوم آجانتا بعدة مميزات وضعت الملامح الأساسية لمدارس التصوير الآسيوية التي أعقبتها في عصور كثيرة تلتها مثل إعطاء الفنان حرية كبيرة في تخيل و تصوير التفاصيل و إضافة التفاصيل الهندسية و الزخرفة بالموتيفات البنائية كذلك إعطاء التصوير حرية في بيان الأبعاد الزمانية و المكانية للأحداث و بالنسبة للمنظور كان المنظر يعكس ابتكاراً و تقنية عالية فلا يوجد نقاط محددة تقود العين من الأجسام الأكبر للأقل و لا يوجد عمق يقود إلى نقاط تلاشي أو خطوط أفق على العكس غالباً ما نرى ما يسمى بالمنظور المتعدد "Multiple Perspectives" حيث يرى المشهد من عدة زوايا و على عدة محاور في وقت واحد و تظهر فيها العديد من الأشكال وكأنها تتحرك داخل السطح و أشكال أخرى و كأنها تتحرك فوق السطح بينما ترسم الأروقة و الأعمدة دائماً من أسفل أو في مستوى النظر أما الأسقف و النباتات و الأشجار و الزهور فترسم كأنها ترى من أعلى و هذا المنظور المتذبذب له أثر فعال في جعل المشاهد يشعر بأنه متوحد مع المنظر و أنه شريك في الحركة الفعلية لهذا المنظر ، و نجد أن هذه الفكرة لرؤية الشكل من عدة زوايا سبقت نظرية التكعيبيين بعهد بعيد جدا ، وهكذا نجد أن الفنان فضل أن لا يكسر التسطيح الهندسي للوحةArchitectural flatness عبر تقديم الأبعاد و العمق و فضل خلق وهم فراغ أكبر من الفراغ الفيزيائي الحقيقي و تحقيق ثلاثية الأبعاد من خلال الظلال و الإضاءة كما خلق الفنان نوع من الفراغ في المنظر من الممكن تسميته بالفراغ الذهني Mental space و ذلك من خلال إيجاد حالة نفسية تعطي إحساساً بوجود أبعاد في اللوحة ، فما يراه المشاهد ويلاحظه يعتمد بالدرجة الأولى على مدى تفاعل شعوره الداخلي مع اللوحة فمدى استجابة عقله الباطن هي التي تخلق نوع من التفاعل يؤدي إلى الشعور بمعاني أعمق بكثير تكمن وراء تلك الأشكال المرسومة على الحائط فالمقصود بالفن هنا هو إيقاظ مشاعر و أحاسيس لم تكن ليشعر بها بنفس الدرجة لولا رؤية هذه الأشكال و الصور موجودة لتخدم العقيدة و تذكر المتلقي بأشياء أخرى فالعقيدة البوذية هدفها إيقاظ قيم أخلاقية باتباع العديد من الطرق التي لا تعد ولا تحصى بهدف زرع هذه القيم في داخل النفس الإنسانية .
و كانت طريقة الفنان في الرسم هي استعمال الألوان و خلق الأشكال و الأبعاد و النظم الإيقاعية فكانت الألوان توضع بترتيب معين بحيث تظهر المشاهد الأمامية ألمع و أسطع و تبدو المشاهد الخلفية أكثر قتامة ولكن هذا التأثير أيضاً كان يطوع بالزهور البيضاء و البتلات التي توزع في أنحاء اللوحة مما خلق نوع من الحوار اللوني على سطح اللوحة مع العلم بأن اختيار ألوان الأشكال كان يعتمد بالدرجة الأولى على المعنى الذي يمثله الشكل في الموضوع العام للوحة ، هذا و قد انتقلت تقاليد رسم الكهوف واستخدامها كأديرة من آجانتا إلى أنحاء متعددة كثيرة فامتدت إلى وسط آسيا في باميان بأفغانستان حالياً و إلى كهوف تان هوانج Dun -huang في شمال وسط الصين و يلاحظ تشابه الأديرة الثلاثة في الأسطح المزينة بزهور اللوتس الموجودة في مربعات متقاطعة .
وقد عرف في آجانتا للمرة الأولى أسلوب ورش الرسم الذي اتبعته مدارس التصوير المغولية حيث كان هناك فنانين متخصصين في رسم الوجوه و آخرين للملابس و غيرهم لتشطيب و إنهاء اللوحة و كذلك ظهر في هذه المرحلة اتجاه رسم العين على هيئة كائن من الحياة النباتية أو الحيوانية الطبيعية ، كما ظهرت في آجانتا للمرة الأولى ايضاً مظاهر القداسة و التفخيم للشخوص المهمة و ظهر استعمال الهالة في الرسوم كما كان هناك تصوير للرجل العادي و لمظاهر الحياة اليومية بالإضافة لظهور مشاهد الفروسية و تقديم القرابين و الوعظ و الحدائق و رسوم الحلي و الجواهر و الاهتمام بتصوير الأزياء فقد اتخذ فنان آجانتا من العالم نموذجاً له و كان على حد علمه أن محاكاة الطبيعة هو المعيار الفني الأقصى الواجب اتباعه و مع ذلك فهو لم يهرب من الحقيقة تماماً بل سمح لنفسه بأن يصور مشاهد البهجة والمتع لحياة البلاط في عصره غير مغفل سخريات و أحزان و أفراح الحياة العادية و كذلك المتع الحسية لتلطيف الجو العام للتعاليم الدينية ذات الطبيعة الجامدة و التي كان من الممكن أن تغلف الرسوم ، أما عند تصوير بوذا نفسه كان الفنان يحاول أن يكس صورة لشخص فوق تخيل البشر ذو هالة خاصة فقد كان يصوره برموز الأيقونوجرافية Iconography وبملامح مجردة تعكس تفوقه على الطبيعة الكونية فقد عكسه الفنان بشكل أقرب إلى الشكل النحتي و بديناميكية و أيضاً بهدوء و سكينة ، كما أن الفنان الآجانتي أضاف عنصراً جديداً إلى أشكال بوذا و هو الألوان و ذلك برسم عباءة بوذا بألوان مختلفة تتنوع ما بين الرمادي و الأبيض و البني و الأخضر و الأحمر .
إن الفن ال أجانتي بجميع أشكاله يمكن القول عنه أنه فن مشبع بالمفهوم الشعبي للإيقاع National concept of rhythm و الذي من الممكن أن تراه على قدم المساواة في فن الرسم Chitra كما هو في فن الرقص Nritya فكلاهما لابدأن يحتوي على نوع من النغمة أو الترنيمة المتوافقة ( قافية Rhyme ) والتي عادة ما تكون متشابهة في المحتوى ودائماً ما تهدف إلى إعادة تمثيل عملية خلق الحياة الأساسية مما يجعل الرسوم التي على حوائط آجانتا هي تبلوه مسرحي تمثل فيه الشخوص التي في أوضاع الترباهنجا جنباً إلى جنب في مشهد الحكمة الأساسية للوجود و" هو مفهوم استخدمه الصوفيين في عهد بهزاد فيما بعد" ، كما أن الحركة التلقائية التي تبدو للزهور المزخرفة التي تزين الأسقف و الخطوط التي تبدو حرة بعيدة عن القصص التي ترويها المشاهد و لكنها نوع من الفانتازيا الغنية بالخيالات ناتجة عن ابتكار أشكال هندسية من تلك الزهور تبدو كشكل من أشكال الأربيسك Flower arabesques كذلك فالفاكهة و الطيور الحقيقي منها و المتخيل و الشخوص النابعة من الميثولوجيا لتعطي انطباعاً خيالياً محيط بالمنظر و رسوم الأسقف هذه تدلل من وجهة النظر الفنية على مدى قوة و قدرة الفنان على التخيل فالأسقف و رغم عدم احتوائها على موتيفات دينية تظل متوافقة مع رسوم الحوائط فألوانها الزاهية وأشكالها المميزة أضفت نوعاً من الروعة و الجمال على لوحات قصص الجاتاكا و خلقت نوعاً من الإشباع الحسي للمتلقي فتلك الرسوم التي أخذت من رسوم نسيج السجاد و التي مازالت بعض موتيفاتها مستعملة في السجاد حتى الآن تأسر العين بقوة حتى لا يخرج الحاج من الجو العام للمعبد إذا نظر للسقف و ذلك من خلال التضاد بين الحركة الديناميكية للشخوص و الأشياء على سطوح اللوحات و الهدوء و الألوان المتدفقة و الممتزجة ببعضها البعض في الأسقف ، و الأسقف كلها تقريباً لا تعكس إلا اختلافات بسيطة عن بعضها البعض فإما مربع بداخله دائرة أو مستطيل بداخله عدة أشكال هندسية و هذه الأشكال عادة ما تكون مليئة بزخارف نباتية أو حيوانية تتمايل في حركة إيقاعية بالإضافة للأشكال الممسوخة لحيوانات خرافية Grotesque كما في الذات أشكال غريبة مازالت تستقى في جميع أفرع الفنون في الهند و يقتبس منها حتى اليوم
كما أخذت آجانتا بعض الرموز الأجنبية من الخارج كانت كمكان للعبادة قبلة للعديد من الحجاج الذين يعودون بانطباعاتهم إلى بلادهم الأصلية و من بينهم فنانين مما جعل تأثير آجانتا يرى في الكهوف و الأديرة و على اللوحات في جميع أنحاء سيلان و نيبال و التبت و منغوليا و الصين و حتى اليابان فأسلوب آجانتا في الرسم نتج عنه مدارس فنية جديدة كما نتج عنه انتشار تقنية الرسم على الجدران في كافة أنحاء وسط و شرق و جنوب آسيا كما أن تأثيرها أيضاً لم يقتصر على التقنية بل أثر في المحتوى و بوحي و إلهام من آجانتا أصبح التصوير هو الوسيلة البصرية الرئيسية لنقل البوذية و انتشارها ، و لعل أوضح الأمثلة على الأثر الآجنتي هو البورتريهات التبتية الدينية التي ترسم لبوذا و القديسين والتي تميز الفن التبتي فهذه الرسوم ترسم بتقنية مماثلة تماماً لتلك التي استخدمت في الرسوم الحائطية في آجانتا أو على أغلفة الكتب الهندية وذلك من ناحية التصميم واستعمال الخطوط و التخطيطات الأولية و المقاييس و المسماة يانتارا Yantra وحتى استعمال المجوهرات ودلالاتها ، كما أن الأسلوب التجميلي وكذلك أسلوب التصوير الآجانتي عبر الحدود الهندية ليؤثر في فنون أسرتي الوي و التانج Wei and Tang في كوتان و ترفان Khotan –Turfan في الصين و المناظر الطبيعية المبكرة لمناطق شامبا Champa و كمبوديا و كوريا و اليابان و رسوم الفريسكو في سيجريا Sigiria أو سيرلانكا الحالية
ايضاً سافر الأسلوب الفني الآجانتي إلى الصين و تعداها إلى الغرب فانتقلت تقنيات الأسلوب الكلاسيكي الآجانتي من حيث إبراز الجانب الحسي و الخطوط السلسلة إلى كهوف فوند و كيستان و اعطت الأناقة الخطية و الشكلية لرسوم باميان كما أنها طورت العديد من المدارس الفنية المحلية في فارس و بلاد الأفغان من خلال التفاعل المباشر معها و لكن كل هذه المدارس لجأت إلى خطوط أسمك و ألوان أعمق من ألوان آجانتا و ربما كانت كهوف Dunhuang Cave و Mogao Grotto Caves و التي تعرف باسم "كهوف الألف بوذا" Thousand Buddha Caves في الصين هما الأكثر وفاء لأسلوب آجانتا سواء في الشكل أو الرسم المتميز برقة الخطوط و بهاء الألوان و يرجع ذلك إلى قوة علاقة إمبراطورية التانج الصينية بالهند في تلك الفترة ، هذه الإمبراطورية التي كانت على علاقات قوية أيضاً بالامبراطورية الساسانية و المعلمين الأوائل و قد أدى انتشار البوذية عبر طريق الحرير إلى اختراع طرق لنقل النصوص للعامة و نشأة المكتبات في الأديرة على طول الطريق فتمت صناعة الكتب التي احتوت على نصوص دينية مصورة على صفحات من أوراق النخيل و أصبح هناك صناعة للأغلفة المصورة كان الملهم الأساسي لها رسوم الديانة في شمال الهند و آجانتا حافظ عليها الفنانين التبتيين و النيباليين و الفرس كما هي في البداية ثم بدءوا في تطويرها وفقاً لرؤاهم و ثقافاتهم الخاصة فوصفت اسس التصوير الصيني و التبتي و الهندي مع الاحتفاظ بالروح الخطية و اللونية و بمبادئ الرسم الخمسة الساندانجا ، ثم اخترع الورق في الصين في محيط القرن الثاني الميلادي و تطورت فنون التصوير الصينية بعدها بدرجة كبيرة تلا ذلك الإحتكاك الأول للمسلمين بصناعة الورق و الفنون الصينية مباشرة إثر معركة تاليس عام 751م حيث أسر القائد زياد بن صالح الصناع الصينيين ، و وجود نصوص صينية أكدت على وجود صناع صينيين في تلك الفترة في الكوفة علموا صناع المسلمين النقش و التصوير و نسج الحرائر و كانت هذه هي بداية التآثر الفني الإسلامي البوذي عبر طريق الحرير .
المدرسة العربية في تصوير المنمنمة :-
تكونت في العراق أول مدرسة للتصوير العربي في القرن الثاني عشر الميلادي و قد اهتمت هذه المدرسة في بداية نشأتها بتزويد ترجمات و المؤلفات اليونانيه في الطب و الطبيعة و النبات و الحيوان برسومات توضيحية ثم ما لبثت ان تطورت فنون الرسم و التصوير و شملت بعض الكتب الأدبية مثل كتابي كليلة و دمنه و مقامات الحريري اللذان ظهرا مزودين برسوم تزيينية أظهر فيها الفنانون براعتهم في صياغة الأشكال الإنسانية و الحيوانية على نحو متميز في القرن الثالث عشر الميلادي و لعل أبلغ اثر على ملامح هذه المدرسة المخطوطات التي رسمها الواسطي لا سيما مقامات الحريري ، هذه المدرسة كجزء من الفن الإسلامي في عصر السلاجقة هي في الحقيقة ثمرة تفاعل و مزج بين عناصر فنية مختلفة عرفتها بلاد الرافدين و بلاد الشرق الأدنى منذ عهد البابليين و الآشوريين و الإيرانيين القدماء إلى القرن الثاني عشر الميلادي – السادس الهجري مضافاً إليها عناصر أخرى ابتكرها الفنانون المسلمين .
و قد غلب على هذه المدرسة بحكم نشاتها الأثر البيزنطي و الفارسي و تميزت بالمسحة العربية في خلقة و قسمات الأشخاص و غلبت عليها الرسوم الآدمية مما أكسبها قوة و حياة متأثرة بالأساليب الموروثة من الشرق القديم مثل رسم الشخص الرئيسي في الرسوم التي تضم اشخاص كثيرة بحجم أكبر من الآخرين لعلو شأنه و هو أمر معروف في الفنون القديمة في مصر و بلاد الرافدين ، كذلك عرف مصوري هذه المدرسة تأثيرات شرقية أخرى مثل مخطوطات الرسوم المانوية المزوقة بالتصاوير الملونة بالأشكال البراقة و ذلك لوجود المانويين بكثرة منذ القرن الثاني و الثالث الهجري و المعروف أن ماني مؤسس الأساليب المانوية في التصوير و أتباعه عنوا باتخاذ الصور في كتبهم الدينية و بزخرفتها بالرسوم المذهبة و قد كتب ابن الجوزي في كتابه " المنتظم" أن في سنة 311هـ (923م) " أحرقت على باب العامة ببغداد صورة ماني ، و أربعة أعدال من كتب الزنادقة ، فسقط منها ذهب و فضة مما كان على هذه الكتب و كان له قدر " ، و لكن أيضاً كان هناك أثر بوذي واضح في بعض العناصر التي تضمنتها رسوم هذه المدرسة أيضاً و يتبدى ذلك في تأثير آجانتي واضح في تشكيلان الزهور و الزخارف النباتية و اشكال الملائكة ذوات الأجنحة المدببة و فروع الأشجار و الشكال النباتية ، و العنصر الزخرفي المجنح المنقول من أعمدة الساسانيين و الذي استوحي بالاساس من أسلوب الجريكو جاندارا الذي نشأ في إقليم باكتريا في أفغانستان نتيجة لتكامل السلوب الهيليني مع الأسلوب البوذي و إن كان ظهوره أبلغ أثراً في التحف و زخارف الفنون الصغرى ، و كانت هذه الرسوم سواء مجنحة أو بغير أجنحة منتشرة جداً في الفن البوذي و انتقلت منها هي و طراز الهالة إلى كل المدارس العربية في مصر و الشام و عاشت حتى القرن الثامن الهجري و امتد تأثيرها إلى بلاد المغرب العربي و الأندلس .
و قد اعتمد المصورون في العصر الإسلامي أيضاً على التكوين الإيقاعي المستند لرهافة الفنان و خبرته في توزيع عناصر العمل الفني بما يتفق مع قواعد مدارس التصوير الهندي و الصيني بما في ذلك الخطوط و الألوان و تتكون الأشكال من خطوط داكنة دون تداخل أو تدرج في نغمات اللون ، و عادة ما تكون الأشكال مسطحة و لا تخضع للتجسيم و تتوزع في أرجاء اللوحة وفق أهميتها و الوجوه شبه أمامية و هو أسلوب قريب جداً من الأسلوب الموجود في الرسوم البوذية التبتية الموجودة في معبد ألشي Alci في مجمع الأديرة البوذية لاداكا Ladakha .
الهالة طراز الهالة في الفن الإسلامي و الأسيوي :-
كانت الهالة أحد أهم عناصر اساليب المدرسة العربية حول رؤوس الأشخاص و المؤكد أن مهد هذه الهالة هو القارة الأسيوية فقد عرفها الفن الهندوسي و انتقل منه للبوذي ثم للهيليني في جاندارا في نهاياته و بدايات العصور المسيحية كما عرفها مزدك في إيران على هيئة أكاليل من الغار و عرفتها الأقاليم التي انتشرت فيها التعاليم البوذية كالتبت و استعملها التبتيين لتأكيد مفهوميين الأول هو الملكية الألهية أو الملك الاله أو ما يعرف بالهندية بمفهوم الكاكرافاريتي أو الحاكم الملهم من الآلهة و يظهر في جداريات آلشي ، أما الثاني فقد أحاطت الهاله برأس بوذا و القديسيين البوذيين و الآلهة الهندوسية في الصين و الهند , الهالة The Halo أو الضوء المبهر الذي غالبا ما يحيط برؤوس القديسين و خاصة البوذيين منهم و غالباً ما يغمر أجسادهم كلها للتعبير عن تحولهم للاستنارة و قد نشأ هذا الرمز المضيء في مكان ما في منطقة وسط آسيا و انتشر في باقي أجزاء المنطقة و إلى الهند في القرن الثاني قبل الميلاد ثم انتقل غرباً في القرن الرابع الميلادي عندما ظهر في الرسوم المسيحية للتعبير عن روحانية القديسين و في الرسوم المسيحية الشرقية و البيزنطية بالسيد المسيح و السيدة العذراء و القديسيين ايضاً كذلك الهالة تظهر واضحة في النحت الهندوسي و فوق رؤوس الارستقراطيين الراجبوت في العصر المغولي ، كذلك استخدم الفنان المسلم الشعلة النورانية حول رأس النبي عليه الصلاه و السلام في الصور الرامزة له و لغيره من الانبياء منذ اواخر القرن الرابع عشر توقيرا و إجلالاً ثم اضافة نقاب لوجه النبي في نهاية القرن الخامس عشر تميزاً له و تبجيلاً .
و الثابت لدينا أن الهالة انتقلت إلى الفنون الاسلامية في العصر العباسي و انتشرت في الشرق الأدنى كله من حدود الهند إلى مصر و يرى الباحثين أن المسلمين نقلوا الهالة فعلاً من رسوم جاندارا و باكتريا و كان الغرض الأساسي من رسم هذه الهالة حول الرأس إما للإشعار بسمو الشخص الذي ترسم حوله الهالة او لابراز الوجه او بغرض التزيين فقط .
و يمكننا القول أن الفنانون الإيرانيون لعبوا دوراً مهماً في أكثر المدارس الفنية للمنمنمات، فقد تفاعلت خبراتهم في كل من المدرسة العباسية في بغداد، وخاصة لدى وصول البرامكة إلى موقع السلطة، فقد استجلب هؤلاء العديد من الفنانين الإيرانيين إلى بغداد، فشاركوا في تأسيس مدرسة المنمنمات فيها، وقد عرف من المدرسة السلجوقية محاولة الحفاظ على أصالة الرسم الإيراني وسماته المحلية وأبعاده عن تأثيرات الفن الصيني، لكن باستيلاء المغول على إيران وظهور المدرسة المغولية تغيرت ملامح المنمنمات، إذ أوجد المغول مدارس في تبريز وشيراز ومرو ارتبطت بالأسلوب الصيني، ثم ظهرت المدرسة الهراتية أو التيمورية في سمرقند وهي من أبرز مدارس الرسم الإيراني على وجه الإطلاق، وعندما تأسست المدرسة الصفوية في العهد الصفوي انتقل مركز الفن الإيراني من "هراة" إلى "تبريز"، وتعتبر رسوم المدرسة الصفوية صفحة جديدة في الرسم الإيراني
المدرسة المغولية في إيران ( مدرسة الخانات ) :-
لعل المدرسة المغولية واحدة من أهم المراحل التي شهدت أثراً بوذيا و صينياً قوياً على الفن و الفكر الإسلامي كانت المرحلة التي أعقبت الغزو التتاري و انهيار الدولة العباسية و سقوط بغداد (656هـ – 1258م ) فقد تغيرت التقاليد و العادات و الطرز و الأساليب الفنية السائدة في هذه المنطقة تبعاً لتغيير حكامها الجدد و قد امتد العصر المغولي في إيران قرابة المءة عام تقريباً ( 1258م – 1349م ) شهدت ميلاً قوي و واضح للثقافة و الحضارة الصينية المصطبغة بالصبغة البوذية و ذلك لارتباط الاسر الحاكمة في الصين و التبت و إيران بصلات نسب و مصاهرة و لأن المغول عندما قدموا إلى البلاد الجديدة احضروا معهم عمالاً و صناعاً و كتبة و مترجمين من الصين ، كما أن الحكام المغول "الخانات" لم يتحولوا للإسلام إلا بعد عدة عقود تلت اجتياحهم لفارس و قد كان الأثر القوي لبوذية التانتريك و المسيحية النسطورية واضحاً في منمنمات تلك الفترة لأن رسوم الشخوص البوذية و المسيحية كان متاحاً و سهل المنال للرسامين و ظهر ذلك أكثر وضوحاً في المنمنمات التي صاحبت القصص الأسطوري في تصوير الوحوش الخرافية مثل السيمرغ و التنين .
و برغم الطابع الدموي للمغول فقد اهتموا اهتماماً خاصاً بالفنون و عاملوهم معاملة خاصة و ذلك لإداركهم باهمية دور الفن في إظهار مدى قوة و فخامة الدولة و هيبتها و لتخليد ذكر اباطرتهم و ملوكهم و هذا تقليد قديم استمدوه من عصور ارتحال الرهبان و المبشرين البوذيين بلفافات الحرير المرسومة الثانكا عبر طريق الحرير منذ عصر الجوبتا و انتشار البوذية و نشأة الممالك البوذية عبر هؤلاء الرهبان .
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو مدى تأثير الغزو المغزلي في تكوين أشكال و قوالب فنية جديدة مستقاه من الثقافة الوافدة في فترة ما بعد الغزو المغولي و خاصة في تشكيل الفراغ و المنظور و طريقة رسم السحب ( تشي ) و جذوع الأشجار و استذعاء أنواع معينة من الحيوانات ؟؟
لقد قدم التصوير الصيني لتصوير المنمنمة رسوم المنظر الطبيعي و أظهر أهميتها فاصبح أحد العلامات المميزة لرسوم المنمنمة الفارسية ثم المنمنمة الاسلامية منذ ذلك الوقت كما قدم البوذيين أشكالاً تصويرية نجح فناني المنمنمة في خلق مفاهيم تصويرية موائمة لثقافاتهم بالاعتماد عليها و أيضاً نجح فناني المنمنمات في استقاء و تطوير أشكالهم و عناصرهم التصويرية من خلال الاعتماد على تشكيلات مستوحاه من من تقنية الطباعة الصينية و قد أرست كل هذه العناصر قاعدة قامت عليها كل أساليب و مدارس التصوير الإسلامي في القرن 15م و الذي يليه ، و قد أوضحت الدراسات أن التقاليد التصويرية الصينية وفدت إلى إيران في البداية في القرن 11، 12، 13م و لكن بصورة ضعيفة و قد كان لدى المصور الإسلامي في تلك الفترة معرفة طفيفة برسوم الشرق الأدنى عن طريق البعثات التبشيرية و التجار البوذيين فنجد ظهور لبعض عناصر تصوير المنظر الصيني على بعض فنون التزيين خاصة النسيج و بدا ذلك في صور الطيور المحلقة على السجاد الايراني ، و لكن أثر الفن الصيني و البوذي عموما على المنمنمات أتخذ منعطفاً مهماً في القرن 13م و بدا ذلك واضحاً جلياً خصوصاً في رسوم المنظر الطبيعي و بخاصة في بغداد المدينة التي عدت واحدة من أهم المراكز الثقافية في الشرق الأوسط و العالم الإسلامي حتى بعد سقوطها في يد المغول سنه 656هـ (1258م )
فاذا عدنا لتأثر الفن الفارسي و المنمنمات عموماً نجد انه تأثر في جميع مراحلة و منذ فترة مبكره جداً بالعديد من المؤثرات الخارجية لكن المؤكد أنه شهد تحولاً هائلاً في هذه الفترة فقد ظهرت نقله كبيرة في فنون المنمنمة ، فنلاحظ ظهور نقلة نوعية لرسوم المنمنمة في منطقة ربع الرشيدي التي كانت عبارة عن مجمع ثقافي بالقرب من تبريز أسسه الأمير رشيد الدين فضل الله في العقد الثاني من القرن 14م و الذي أنتج مخطوطة من أهم المخطوطات المرسومة على الاطلاق تحت عنوان جامع التواريخ و التي تكونت من عدد 103 منمنمة عكست مدى الدرجة الإبداعية و الفنية و التقنية التي وصل لها التصوير في عهد الخانات و قد كانت هذه المخطوطة بالذات ثرية بعناصر فنية و أساليب تقنية تعكس العديد من التقاليد الفنية المتنوعة و هذا يدل على مدى أهمية تبريز عاصمة الخانات كحلقة وصل تجارية و ثقافية بين الشرق و الغرب في هذه الفترة حيث كانت الأفكار و الرؤى من بقاع مختلفة مع تبادل السلع و البضائع ، المدينة أيضاَ كانت عبارة عن وعاء هائل تنصهر فيه التقاليد الدينية و الثقافية للعديد من الشعوب بسبب السياسة التي اتبعها المغول و التي عكست تسامحهم الديني و نتيجة لها كان من السهل على الفنانين في عصر الخانات التعرض و البحث في التراث القصصي التصويري المسيحي و اليهودي و البوذي لفناني عهد الخانات و في هذا الجو العولمي ولدت المدرسة الرشيدية الفنية و ازدهرت و تعكس أيضاً مخطوطة جامع التواريخ أهمية سياسية لأنها تعد وثيقة على فترة حكم الخانات و رؤيتهم العولمية و قد كانت توزع سنوياً نسخ منها واحدة بالعربية و أخرى بالفارسية على مدن إيران لتعضيد حكم المغول و بيان عظمة الامبراطورية المغولية و ربما كان هذا أحد أهم أسباب انخراط البلاط المغولي في دعم الورش التصويرية و وصول العلاقة بين بلاط الخانات و مصوريين ذلك العصر لأعلى درجاتها .
هذا و قد عكس مخطوط جامع التواريخ تأثيرات صينية و بوذية واضحة مثل الاستعمال المكثف للخط و الظل الذي عد ثورة على الاتجاه السائد لتصوير المنمنمات في تلك الفترة و كذلك الاعتماد على المقاييس الصينية البوذية الأصل لقياس الجودة و المحتوى و العناصر ، كذلك محاولة رسامي جامع التواريخ مواءمة الأسلوب الصيني في رسم المنظر الطبيعي و إخضاعه لمفهومهم و تنظيمهم سواء في المقاييس أو المنظور و يتبدى ذلك في أشكال السحب الطائرة و الأعشاب الخضراء التي تميز بها عصر الخانات و اندثرت بعد ذلك في المدارس الأخرى و استبدلت بتصوير أكثر تعقيداً و تطوراً فقد كان مفتاح عناصر المنظر في جامع التواريخ هو الصخور و الأشجار و الجبال و المياه كما هي في المنظور الصيني و خصوصاً الصخور فنجد مثالاً واضحاً على ذلك في مخطوطة العثور على موسى و فيها رسمت الصخور بخطوط واضحة تظهر جمالها و حدتها مما يجعلها مشابهة لأعمال الأساتذة الصينيين في هذا المجال حيث تنوعت أشكال و أحجام الصخور كما رسمت الأشجار بإتباع أسلوب عدة ضربات من الفرشاة ، كذلك يظهر الأثر الصيني البوذي في شكل رسم المياه بهذه المنمنمة حيث تدفق المياه من أعلى اليسار إلى أدنى اليمين و نجاح المصور في خلق نوع من الديناميكية في استعمال أثر كرشاش مياه و خطوط لتصوير موجات في قلب المياه .
ومن الملاحظ بالنسبة لرسم المياه في المنمنمة تغير الأثر من منمنمة لأخرى فالبعض كان يعكس تأثيراً بابلياُ يظهر فيه الماء مندفعاً في خطوط زجاجية متعرجة و البعض الآخر يبدوا بضربات تشبه الموجات يعود مصدرها لإيران ما قبل الاسلام و يظهر في الحلي الفضية الساسانية ، أما الشكل الصيني فقد استقي من منسوجات عصر يوان و سونج و من رسوم البورسولين البيضاء و الزرقاء من ذلك العصر و كانت تميل للشكل الهندسي المزركش " الاسلوب الصيني المزركش أو المزخرف " و يعكس هذا الأسلوب في تصوير المياه شكل أكثر ديناميكية و إحساس أكثر بالتدفق و الحركة .
كذلك يتبدى التأثير الهندي البوذي جلياً في مخطوطة " شاكيلموني يعرض فواكه على الشيطان " و قد ظهر هذا الأثر نتيجة لوجود رهبان بوذيين هنود على رأسهم راهب يدعى كمالا شري Kamala Shri و هو الذي قدم العديد من مصادر البوذية في الحياة و تعاليم بوذا لرشيد الدين ، كما يتبدى الأثر أيضاً في مخطوطة جبال الهند حيث يظهر تأثير واضح لرسومات طباعة القوالب الصينية على شكل الجبال .
أما تصوير السحب فقد ادخل على المنمنمة في عصر الخانات حيث استوحي من الفن الصيني و كان يالنسبة لفنان هذا العصر اكتشافاً رهيباً و يصنف رسم السحب لثلاثة أنواع الأول : سحب لينج زي Ling Zhi و التي تشبه شكل المشروم أو الفطر و حجمها كبير نسبياً و شبيهة بالتي ترسم على المنسوجات الصينية في عصرنا الحالي و تشكل دلالة اجتماعية و دينية في المفهوم البوذي حتى وقتنا هذا حيث أنها ترمز للعربات التي تحمل الخالدين و هي شكل من اشكال الجنة عند البوذيين ، و هناك السحب التي تتكون حول الأشجار و التي من من المفترض في القصص البوذي انها تتحول لثعابين مقدسة ، النوع الثاني و هو السحب التي تظهر في ركن صغير من المنمنمة و يستخدم في مكانه و وضعه لاعطاء خلفية طبيعي لها و خلق نوع من الحوار بينها و بين الكتل الصخرية في الصورة و التي عادة ما تكون في ركن قصي أسفل الصورة ، أما النوع الثالث فربما لا يمكن تتبعه لأثر صيني أو بوذي و يكون الغرض منه تزيني بالدرجة الأولى و يكون في منتصف الصورة و عادة يكون لإخفاء ضحالة المصور في استعمال الظلال و ليس له أي مغزى فلسفي و من الممكن في بعض المنمنمات إستعمال أكثر من نوع من أنواع السحب في المنمنمة الواحدة .
هذا و قد بلغ الأثر الصيني على الفن الفارسي مراحل متقدمة في عهد سلالة تانج ( 618-906هـ ) الذي واكب نهاية العصر الساساني و بداية العصر الاسلامي و لكن هذا الاثر تركز بدرجة كبيرة على الخزف و الفنون الصغرى و لم يمكن ملاحظته بوضوح قبل عصر الخانات (1256-1336م) و كان التأثير متبادل و عن طريق العديد من الوسائط كما يحدث عادة عندما يتعرض فنانين من ثقافة لفنون ثقافات أخرى ، و قد بلغ التأثير كما سبق الذكر في عصر الخانات ذروته عندما أصبحت تبريز عاصمتهم حلقة الوصل المباشرة بين طرق التجارة من الصين عبر وسط آسيا إلى منطقة الشرق الأوسط و أوروبا و قد كان أهم ما قدمه التصوير الصيني لتصوير المنطقة خطوط أكثر رقة و نعومة و الظلال خففت من حدة المساحات اللونية المسطحة التي تميزت بها الرسوم قبل هذا العصر .
كذلك يتبدى مثلاً أن الصينين جعلوا فنان المنمنمات أكثر تبسيطاً و أقل ميلاً لاستعمال الموتيفات و أقحامها في الصورة و يتبدى ذلك واضخاً في مخطوطة مثل شجرة بوذا المقدسة في جامع التواريخ ، كذلك إدخال اللوحة الرأسية بعد أن كانت كل المنمنمات تصور بشكل أفقي مما جعل الشخوص أكثر حركة في إطار اللوحة و أتاح اتساعاً في فراغ اللوحة كما أدخل موتيفات مثل الطائر و الوردة و التي كانت متبناه في فارس و لكن باسلوب مختلف ، أيضاً صورت قصة مثل الرامايانا و هي هندية باسلويب صيني باستخدامالظلال و الخطوط مما أعطى للشخوص حجماً و ظهوراً في فراغ اللوحة أوحى بتفاعلبين العناصر عرفه رسامي أسرة تانج و يوان و هذه اللوحات أثرت بعد ذلك في رسوم المدرسة التيمورية .
المدرسة التيمورية :-
اعتبر كثير من مؤرخي الفنون مدرسة التصوير التيمورية في عهد تيمور لنك مرحلة انتقال بين المدرسة المغولية و مدرسة هرات ذلك ان إيران صاحبة الحضارات القديمة استطاعت خلال العصر المغولي أن تهضم كل المؤثرات الأجنيبة و خاصة الصينية التي أتى بها المغول و أدمجوها مع فنونهم وتقاليدهم الوطنية القديمة فنجد أن الفنان المسلم في تلك المرحلة مال لاستعارة عناصر منعزلة من الرسوم الصينية و أخضعها لمفاهيمه الجمالية مثل فرع زهور خلف سياج و هي متيفة شهيرة في الرسوم الصينية عادة ما يصاحبها شخوص تقليدية استوحت بشكل مختلف تماماً في رسوم كليلة و دمنة ، و من جدير بالذكر أن الرسوم الصينية للزهور و الطيور في عصر أسرة سانج استوحت الأسلوب الفارسي الذي طورته المدرسة التيمورية و الصفوية في رسومها .
لقد كانت مدرسة هرات نهاية للاقتباس من المدارس الأجنبية فقد انصهرت الأساليب المقتبسة في بوتقة الأسلوب الفني الجديد للمنمنمة لتخلق أسلوباً فنياً مميزاً و كانت أهم حواضر هذه المدرسة في سمرقند و حيرات "هراة" و شيراز ، في بدايات العصر التيموري في سمرقند ظهر احتفاظ المدرسة بعدة ملامح و عناصر مغولية مثل الأشجار العالية و الجبال و التلال المشكلة على هيئة الاسفنج و الحزم و الحشائش النباتية الصغيرة المتناثرة و الألوان الساطعة غير المتدرجة كذلك ظهر بعض سمات التجديد ممثلة في الاهتمام برسوم العمائر و زخرفتها التي ظهرت في مخطوطات همايون و مخطوطات خواجة كرماني ، كذلك ظهر في تلك الفترة مجموعة من التصاوير المنفذة بالحبر الصيني و حسب الأسلوب الصيني و بعذ المخطوطات الفلكية و لكن الصحوة الفنية الحقيقية للمدرسة التيمورية بدأت في حيرات "هراة" في عصر شاه رخ عندما اتخذ منها عاصمة له و جعلها مركز للثقافة و الفن في وسط آسيا و جمع فيها أرباب الفن و العلم و الأدب و لعل أهم مخطوطات تلك الفترة مخطوطة "معراجنامة" التي كتبها (ملك بخشي) 840ه(1436م) و ترجع أهميتها إلى اشتمالها على الخصائص الفنية التي أصبحت فيما بعد من مميزات مدرسة هراة مثل ألوان الملابس المركزة مختلفة الدرجات و الميل الواضح و الإقبال على تصوير مناظر الطرب التي تعكس حياة البلاط و اعتباره مرجعاً مهماً لمعرفة و دراسة زخارف السجاد في تلك الفترة .
تلا ذلك عصر بايسنقر الذي أخرج في عصره أطول نسخة من شاهنامة الفردوسي المعروفة باسم "شاهنامة بايسنقر" على يد جعفر التبريزي و تلامذته و قد اتبع في هذه المخطوطة التقاليد التركمانية في الرسم مصحوبة ببعض العناصر المغولية مثل جمود الملامح و الحركات في رسم الآدميين و الأجسام الطويلة و الألوان الساطعة .
و كذلك كان هناك "ألغ بك" ابن شاه روخ خان (1394-1449م) و الذي كان من أكثر التيموريين رعاية للفنون و قد كتبت له رسالة في الأبراج السماوية نفذت بالأسلوب الصيني الخطي مع قليل من درجات اللون البني ، و لكن نقطة التحول الحقيقية في رسم المنمنمات كانت في عصر "حسين ميرزا بايفرا" (1468-1506م) حيث هضم الذوق الفني الإيراني كل الفنون الوافدة إليه و أعاد انتاجها مع مؤثرات إسلامية و وطنية خالصة لينتج أسلوباً منفرداً جديداً تماماً فقد اكتمل أسلوب مدرسة هراة الفنية على يديه .
بهزاد مدرسته و أسلوبه :-
لقد كان التطوير الذي ادخله كمال الدين بهزاد الهراوي الملقب ببهزاد على فن المنمنمة الإسلامية سواء في الأسلوب أو الفلسفة او الموضوع مما شكل العلامة الفارقة الأهم في تاريخ تصوير المنمنمة الإسلامية في العصر التيموري و العصور التي تلته ، و قد أسس بهزاد مدرسة في تصوير المنمنمة عرفت بالمدرسة الصوفية حيث استوحى الأسلوب و الفكر و اللون فيها من الفلسفة الصوفية و إيقاع موسيقى السماع و قصائد المتصوفة ، أيضاً أخرج بهزاد التصوير الإيراني عن الارستقراطي و بدأ في تصوير مشاهد من الحياة اليومية مثل مشاهد الحمام في خمسة نظامي و تصويره للسلطان حسين ميرزا و السلطان محمد شيباني اللذين كانا أول صورتين لشخوص موجودين فعلا في المنمنمات أما قبل ذلك فقد كانت الصور التشخيصية إما تخيلية و شخوص ذات ملامح صينية ، كذلك أنه أول من صور الدراويش و المشاهد الصوفية في المنمنمة مثل تصويره درويش في بغداد و ثلاثة دراويش في حلقة تصحبهم الموسيقى .
أيضاً إجادة بهزاد لتصوير الأشخاص التي امتدحها السلطان بابر و كان أهم إضافاته رسوم العمائر المزخرفة بزخارف دقيقة متقنة و ساعد على ذلك اتساع مقدمة رسومه اتساعاً يكاد يشمل التصويره بأكملها و ظهر ذلك واضحاً في مخطوطة بستان سعدي ، كما أن من إضافاته المهمة القدرة الهائلة على حشد و توزيع الأشخاص و وضعهم بين الصخور و الأشجار و المباني و وضعهم في خلفية الصورة نتيجة لأسلوبه المميز جداً في بناء الشكل ، كذلك أوجد بهزاد نوع من الانسجام و التوافق بين موضوع الصورة و المناظر المحيطة بها و شكل من العلاقة بينهما كما اعتمد على الأسلوب التوضيحي و ليس التخيلي مما جعل هناك واقعية في حركة الأشخاص و كذلك اعتماده التناغم فب اختلاف ملامح الأشخاص و لون بشرتهم و التي ترجع لاختلاف الأعراق و الأجناس في الأماكن التي عاش فيها لأنها ممرات تجارية فكان مثلاً يحرص على تصوير عبد أسود في تصاويره
كذلك لبهزاد الفضل في إدخال الزخارف النباتية على رسوم السجاد خاصة الزخارف العربية المورقة "أرابيسك" و قبله كانت زخارف هندسية و حروف كوفية محورة في الأطر ، كما يلاحظ أن بهزاد تمتع ببراعة فائقة مدهشة في مزج الألوان خاصة الزرقاء الزاهية و كذلك برع في الشفافيات .
و لقراءة الفنون الإسلامية يجب أن نكون على علم بأنه في الفنون الإسلامية دلالات اللون بالدرجة الأولى تعبيرية و جمالية و هي مرتبطة بالدرجة الأولى بنور الخالق " نور الله – نور الأنوار " و بنور القلب أي الإيمان فالنور في المفهوم الإسلامي مرتبط بالإيمان و الظلمة بالقبح و الطغيان ، و هو المفهوم الذي انعكس على اللون فكلما كان مشعاً و مضيئاً كان دليل على العدل و القسطاس و الخير الإلهي و كلما كان قاتماً كان مقترناً بالظلمة و القبح و قد وردت كلمة اللون في القرآن تسع مرات في سبع آيات كريمة و وردت في القرآن ألوان ( الأخضر – الأصفر- الأبيض – الأزرق – الأسود – الأحمر ) و قد عرف فناني المنمنمات تصنيف الألوان الحارة و الباردة و استعملوها على هذا الأساس منذ مدرسة بغداد و ظهر هذا واضحاً على رسوم الواسطي لمقامات الحريري ، كما انه من منظور الفنان الاسلامي اللون الأزرق هو صاحب الغلبة بين الألوان الأساسية " الأزرق – الأحمر – الأصفر " و كذا الأخضر الناتج عن اندماج الأصفر الرامز للأرض و الصحراء و الأزرق الخلاب المرتبط بالسماء و لون الماء و جوهر الحياة يرمز للأمل و الخصوبة و الخلود إلى جانب بعدي لونيه المكونين " الأزرق الدال على الماضي و الأصفر الدال على المستقبل" و معاكسهما الممثل للحاضر و هو اللون الأحمر و ما يتبع ذلك من درجات الألوان .
و الألوان التي استعملها الفنان المسلم في كل فنونه من عمارة و فسيفساء و رسم و زجاج معشق و تتكون كالتالي سبعة ألوان هي الأبيض و الأسود و الأخضر و الأزرق و الأحمر و الأصفر و لن الصندل "البني" تعكس في نظره الطبيعة ، و قد استعمل بهزاد هذه الألوان و أضاف إليها المفهوم الصوفي الذي أعتنقه من أن الأصل في ظواهر الوجود أنها موصولة بالموسيقى الكونية أي بالتوازن الذي جعله الله طابعاً أساسياً لكل تلك الظواهر منذ أن خلق الكون و ما عليه ، و هو فكر اعتنقه هو و أغلب فناني مدرسته ليتناسب مع السلم الموسيقي للسماع و للرؤية الفلسفية للصوفية فالسماع في رؤية المتصوفة "هو حقيقة ربانية " و لطيفة روحانية تسري من المستمع إلى الاسرار بلطائف التحف و الأنوار فيمحق من القلب ما لم يكن و يبقى فيه ما لم يزل فهو سماع حق بحق ، و هذا هو السبب الذي جعل بهزاد يحرص على ربط نظمه في التلوين بموسيقى السماع و محاولته ربطها بأسرار الباطن و التجربة العرفانية الوجودية ، و عليه فتميزت رموز بهزاد بالتعبيرية اللونية و بدت فيها حوارات الألوان أكبر تأثيراً و أهمية من دلالات الأشكال لتأثر المصور الشديد هو و العديد من تلامذته بفلسفة و تجليات السهروردي في النور و الفناء و البقاء و عليه فلا يمكن دراسة اللون عند بهزاد إلا من خلال فلسفة اللون النورانية ، فقد جعل بهزاد من سلم ألوانه نوراً من التجلي و الغبطة المستديمة اعتمد فيها على تحويل الغبطة الروحية إلى غبطة موسيقية معبر عنها بالألوان و قد نقلت الباحثة "ايفاميرو فيتشن" في مؤلفها عن الرومي سلماً سباعياً من المحطات الذوقية كالتالي :-
1- السفر إلى الحق نور أزرق .
2- السفر من الحق نور أصفر .
3- السفر على الحق نور أحمر .
4- السفر مع الحق نور أبيض.
5- السفر في الحق نور أخضر .
6- السفرعن الحق نور أسود .
7- السفر بالحق نور بلا لون .
فقد اعتمد بهزاد بشكل مطلق على السطوح الملونة ذات البعدين دون أدنى تدرج للظل و النور و دون اهتمام بالتعبير عن الكتلة فتتوزع الألوان الباردة و الحارة كما لحن موسيقي وفق مقام لحني كمل في موسيقى السماع مطابقاً لشرح السهروردي للسماع بأنه توحد الحواس في ساحة القلب كمركز للتجلي و على هذا فإن اللون الذي يخاطب حاسة البصر موسيقياً بالمواكبة للشعر أو القصة المكتوبة التي تخاطب حواس السمع و الإدراك هو أيضاً له صوت خاص يعكس صدى الروح لذلك يبدأ بتوزيع الألوان النورانية على مساحة واسعة كالرمادي و الأصفر و الذهبي ثم يليه اللون الأبيض في نقاط مضيئة ثم يحدد المقام اللوني المهيمن حسب رؤيته يليه مقابلته بالأزرق ثم تكملته بألوان أخرى دون أن تطغى على المقام الأصلي في حوار موسيقي للحن متكامل منسجم و ذلك على عكس العهد المغولي الذي كان التلوين فيه يعكس تقنية ألوان عرائس خيال الظل التي انتقلت من الهند لوسط آسيا عبر طريق الحرير و فيه :-
- الأزرق يرمز للخلود و اللامتناهي و الشفاء و النقاء.
- الأسود يرمز للكراهية .
- الأبيض و يرمز للعلم و الصفاء و الاستمرارية .
- الأحمر و يرمز للحفاظ على النوع و التقديس و الدم و النار .
- الأصفر و يرمز للتجدد و للأرض و الطبيعة
- الأخضر و يرمز للتوازن و الانسجام و الشباب و الفعل
السلم البوذي يتكون من هذه الألوان بهذه الدلالات و ما فعله بهزاد أنه استعمل الألوان و لكن طبقاً للإيقاع و الرؤية الصوفية و ليس البوذية و بالتالي جاء ترتيبها و تراكبها موافقاً لسلم السماع و ليس للرؤية البوذية .
الفراغ و التكوين و المنظور
بالنسبة للفراغ كانت رؤية بهزاد و مدرسته متفقة مع الرؤية الهندية و ربما يرجع ذلك أن الموسيقى الهندية كانت واحدة من اهم مصادر الموسيقى السماع و ان الكثير من الأفكار الصوفية تضرب بجذورها إلى الفلسفات الهندية القديمة لذلك كان مفهوم ما يعرف بالفراغ الروحي هو المتبع في المنمنمة ، و الفراغ الروحيSpiritual space أو ما يعرف باسم شيداكاشا Chidakasha و هم يرمزون له بوضع خط يفصل بين الفراغ أو الحيز الذي يشغله اللون و الحيز المحيط به ومن خلال ارتباط توزيع اللون مع توزيع الفراغ وانسجامهما معاً يتولد خلق الأشكال و تناغمها ، فالإحساس بالتناغم الذي يحكم كل مقاييس الجمال يخضع لحقيقة أن الفراغ هو الذي يحتوي كل أجسام الحيوانات والنباتات و المظاهر الطبيعية كالجبال و الأنهار..... إلخ و يوحدها مع بعضها منذ بدأ الخليقة و هذه الطبيعة تدخل بصورتها إلى أعماق ذهن الفنان لتولد لديه الأشكال و الموتيفات و التكوينات التي يبدعها ، وبالتالي فإن الفراغ المحسوس(العقلي )هو الذي يتحكم فعلياً في عملية رسم الخطوط و توزيع الألوان و خلق الإحساس بالتناغم و توليد الجمال و هو ما يعني أنه هو الذي يعطي القدرة على التعبير من خلال تحكمه في القدرة على خلق نوع من الاتزان بين العناصر .
التكوين : استلهم بهزاد فكرته عن التكوين من من حقيقة أن الكون كان سديماً حتى جاءت كلمة الحق كن فدار السديم دورة استمرت منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا فقد جاءت الحركة الميكانيكية النابعة من أمر الحق كن بمثابة إشارة حاسمة للتوازن ، هذه الحقيقة الاستنتاجية الذوقية تؤكد حقيقة النظام العام الذي يشكل موسيقى الوجود التي يوقم عليها تراتب الأدوار في حركة دائرية و اختلاف الليل و النهار و تبادل المواقع و الفتق و الرتق و توالي الساعات و الأيام ضمن ناموس محدد فدورة الأرض اليومية و الفصول و حركة الكواكب من شواهد هذه الحركة المموسقة ، و لذلك و استيحاء من هذا الانسجام و النظام أقام بهزاد بناء الشكل في نظام دقيق محسوب من خلال التوازن بين مختلف عناصر الصورة بناء على اتزان محوري و اتزان إشعاعي فقد كان متفهماً لقيمة الاتزان بشكل جعله يوازن بين جميع عناصر الصورة من خلال استعمال الاتزان المحوري ، فقد أقام بهزاد الاتزان بين الأشكال من خلال محاور أفقية و راسية تتقاطع في مركز تكوين الصورة عن طريق التحكم في الجانبيات من خلال الدوران حول نقطة مركزية ففي مخطوط "البستان" نظامي نجد الصور توضح لنا تلك المحاور المركزية التي اعتمد عليها بهزاد في بناء أشكاله بحيث تتزن حولها جميع القوى المتعارضة من أشكال و الوان و ملامس كذلك ينتظم التكوين كله كتلة متوازنة حول محور أو أكثر من محور .
فالعين لا تنظر إلى الأشياء نظرة محددة بل هي تنتقل من بؤرة الصورة إلى حواشيها بحركة متصلة لولبية و يمر خط النظر بأهم النقاط القائمة على الأشكال بالعين و اليد فيما يشبه حركة بصرية مشابهة لرقصة سما الصوفية و بإيقاع لوني مماثل للإيقاع الموسيقي ، فالكائنات و الكون موجود بالنسبة لخالقها لأنها من صنعه و ليس وجودها قائماً بالنسبة للإنسان لذلك فإن الأشياء و المشاهد ترى من خلال عين الله المطلقة و دائماً تتمحور حول مركز النور لذلك تخلق الصورة واقعاً جديداً يفرض نفسه على الناظر .
أما الزمن و المكان فجوهرية العناصر و طريقة توزيعها على مساحة المنمنمة و كذلك شكل العلاقة بالفراغ المحيط بها يعكس استمرارية الزمان و كونية المكان و أتاح هذا المفهوم للزمن المفتوح غير المحدد لاظهار مفاهيم فلسفية معينة و لادماج العديد من الأفكار و الأساليب و العناصر في اللوحة الواحدة و اتاح عنصر الزمان المتغير هذا فرصة لتجديد عنصر المكانو توزيع العناصر على الفراغ بما يتواءم مع الأسلوب المتبع ، فقد كان أسلوب بهزاد التصويري في معالجة عنصري الزمان و المكان متأثراً جداً بمفهوم وحدة العوالم عند الصوفية ، فالحدث يجري خارج خصائص الليل والنهار وتمايز الفصول. أما منطق الألوان فهو شطحي غير واقعي يقترب من الحساسية الموسيقية في الإنشاد الصوفي، وفق مفهوم السهروردي والغزالي للسماعي القلبي. في القلب تلتقي رهافة السمع والبصر معًا أو بالأحرى البصيرة بالسماعي فتنتج ألوانًا فردوسية مغتبطة أقرب إلى النوتة والسلم الموسيقي .
و قد ساعد بهزاد على بلورة أفكاره و أسلوبه الارتباط الذي نشأ بين طوائف الحرفيين و الطرق الصوفية مما فتح الطريق لظهور الرمزية في الفن الإسلامي لأن رؤساء الطوائف عندما انخرطوا في الطرق الصوفية درسوا المذاهب الميتافيزيقية و الكونية التي ارتبطت بها و حولوها لمفاهيم فنية بصرية .
مدرسة التصوير الصفوية :
اعتنى ملوك الدولة الصفوية بالفنانين و بتنمية الاتجاه الوطني في الفنون اعتناء كبيراً لأنها كانت الدولة الوطنية الأولى منذ العهد الساساني ، و أكبر مثال على ذلك أنه عند نشوبالحرب بين الصفويين و الترك أخفى الشاه اسماعيل الصفوي كل من بهزاد الرسام و محمود نيسابوري الخطاط في قبو خشية وقوعهم أيدي الأعداء ، أيضاً اهتم الصفويين و أولوا رعاية خاصة جداً لفنون الكتاب و خاصة المدرسة الأولى و التي بدأت منذ عهد الشاه اسماعيل (1510م-916هـ ) حتى بداية حكم الشاه عباس (1578م-985هـ) و التي كانت امتداد للصحوة الفنية في عهد التيموريين و لانصهار الأساليب الوافدة و نشأة أساليب محلية قوية مستمدة من الثقافة و الفكر الفارسي في هذا العصر و قد أبدع فنانيها و لا سيما "أقاميرك" و "سلطان محمد" في توزيع الرسوم الآدمية و الحيوانية في التصاوير مع مراعاة النسب بين العناصر و قد شهدت هذه المدرسة توحد و اندماج الأساليب الفنية في اتجاه واحد و أصبحت تبريز و قزوين هي أهم مراكز الفنون التي سار على نهجها باقي أقاليم الدولة .
و امتازت المدرسة الصفوية بغطاء الرأس المكون من عمامة مرتفعة باستدارة يبرز من أعلاها عصا صغيرة حمراء أو سوداء ذلك أن العمامة ذات العصا كانت في أول الأمر شعار الأسرة الصفوية و أتباعها مثل العصابة الطائرة عند ملوك الساسانين ، و قد امتازت المدرسة الصفوية بالظهور الأول لجمع عدة مناظر مع بعضها البعض فب الصورة الواحدة تأكيداً للمفهوم الصوفي لوحدة الزمان و المكان و قد نقله المصور "مير سيد علي" بعد ذلك للمدرسة المغولية .
أما المدرسة الثانية : فقد كانت جامدة و مضمحلة نتيجة لعزوف النبلاء عن اقتناء المخطوطات المصورة و شيوع الصور غير الملونه لرخص تكلفتها و قلة عدد الشخوص في اللوحة و الأعضاء المتكلفة و سيادة الشكل الأنثوي و النقل من الأساليب الغربية و الأوروبية ، أما المدرسة الصفوية الأولى و المدرسة التيمورية فقد حفلتا بتصاوير لملائكة يعزفن الآلات الموسيقية و كانت من المواضيع المفضلة و قد أرجع البعض هذه التصاوير لتأثير أوربي و لكن الثابت أن الملوك الصفويين كانوا متعصبين جاً لقوميتهم و لمذهبهم الديني مما يخلق استحالة في وجود هذا التأثير بل إن التأثير الإيراني هو الذي كان طاغياً في أوروبا في فنون عصر النهضة نتيجة التبادل التجاري فظهرت رسوم السجاجيد التي يتكون إطارها من زخارف الحروف الكوفية المحورة في أعمال عصر النهضة أما الأصل الحقيقي لهذه الرسوم فغالباً ما يرجع لأثرين الأول وجود رسوم من العصور القديمة لملائكة على اعمدة و كوشات العقود في العصر الساساني ، و وجود صور لملائكة مجنحة فوق جدران المعابد البوذية في تركستان و صور الملائكة المجنحة في الرسوم التبتية و الصينية .
المدرسة المغولية في الهند :-
لقد كان التصوير محرماً في رأي المسلمين المتشددين الذين رأوا فيه محاولة لتقليد أو محاكاة لخلق الله رغم أنه لم يكن ممنوعاً من وجهة نظر الديانة نفسها، و قد انطبق الأمر على إيران أيضاً التي تحولت للإسلام و لكن في أعقاب الغزو المغولي لها في الربع الأول للقرن الثالث عشر فقد ظهر تأثير صيني قوي على الفن الإيراني حتى أنه في القرن الرابع عشر كان الفنانون الإيرانيين يقلدون الطريقة الصينية في رسم المناظر الطبيعية تقليداً تاماً و أدخلوا موضوعات مثل التاريخ و المواضيع العاطفية لرسومهم ، و مع ذلك لم يكن لديهم أي إحساس بالمنظور أو العمق ، كما أن الأشكال كانت ثنائية الأبعاد و مواجهة للمتلقي أما سماتهم فكانت جامدة و تقليدية ، و بعد ذلك أصبحت شيراز في القرن الخامس عشر مركزاً فنياً كبيراً ورد منه العديد من الرسامين إلى البلاطات الهندية المسلمة خاصة في جوجرات و مالا و جوانبور و بعد ذلك ظهر جيل من الرسامين الهنود الذين أبدعوا المنمنمات المغولية و التي رغم أنها عكس للأسلوب الإيراني، فإنها أظهرت شخصية مستقلة تطورت فيما بعد عن مثيلتها الفارسية ، و إنه من الأكيد أنه بظهور المغول على الساحة الهندية في عام 1526م أدى إلى تقوية الروابط بين الفن الفارسي و الفن الهندي ، و تطور الأسلوب الذي يجمع بين المدرستين بسرعة كبيرة نتيجة لرعاية السلاطين المغول للفنانين و نتيجة لأنهم أحضروا معهم أسلوب فني متطور نقله تلامذة بهزاد
فالمدرسة المغولية جمعت كل المؤثرات و العوامل و الأساليب التي مرت بها المنمنمة الإسلامية و تأثرت بها منذ مدرسة بغداد مسترسلة حتى مدرسة بهزاد ، و لقد بدأت المدرسة المغولية عن طريق هجرة لفنانين من تلامذة كمال بهزاد من أمثال "شيخ زادة" من تبريز إلى بلاط أكرا في عهد أكبر ، و قد كانت هذه الهجرة في جانب منها هجرة ذوقية عرفانية قبل أن تكون نقل لأسلوب فني فقد ساهمت توأمة أفكار التصوف و الزهد الهندية و العربية الإسلامية خاصة فيما يختص بمفاهيم مثل "الوجود – العدم – الوجد – تواجد – الغبطة – الطرب –التجلي – السماع – البصيرة " على سهولة استيعاب أسلوب المنمنمة الفارسية في الهند و انتشاره و تطويره و احتضانه حتى من غير المسلمين لقربها من " الكافاليا الهندية " .
و قد اهتم أباطرة المغول اهتماماً خاصاً بفن تصوير المنمنمة فبدأت المدرسة المغولية بعودة همايون إلى حكم أكرا بعد ثماني سنوات من النفي إلى فارس حيث انبهر فيها بهذه الرسوم فوجه الدعوة إلى اثنين من تلامذة بهزاد لبلاطه هما "مير سيد علي" و لحق به أبوه "مير مسافر" و "الخواجة عبد الصمد" المؤسس الفعلي لورش المدرسة المغولية والتحق ببلاط همايون في نوفمبر1548م لكن هذه المدرسة بدأت فعلاً في عهد أكبر و كانت درة أعمالها مخطوطة حمزة نامة .
و اتبعت المدرسة أسلوب بهزاد في الرسم و التصوير و التلوين إلى أن اعتنق أكبر ما يسمى بالديانة العولمية و التي كانت خليطاً من العقائد الهندوسية و البوذية و المسيحية إلى جانب الإسلام و عندها بدأ رسامي المنمنمة الفرس و تلامذتهم الهنود في تعديل أساليبهم لتناسب فكر الإمبراطور حتى أن المؤرخ أبو الفضل ذكر أن " أعمال عبد الصمد ترجع في كمالها للأثر الرائع الذي يطبعه صاحب الجلالة أكبر على شخصية الأفراد مما جعل عبد الصمد ينصرف عن تصوير الجسد إلى تصوير الروح و من تصوير الحقائق إلى تصوير الروحانيات " ، و بعد عام 1580م زاد عبد الصمد من استعمال الظلال لبيان تعبيرات الوجه و طور أسلوباً جديداً لرسم الصخور و العشب التي لجأ بهزاد لتسطيحها في المدرسة الفارسية ليتخلص من الأثر الصيني البوذي فأظهرها عبد الصمد في شكل ثلاثي الأبعاد و جعلها متراصة في أكوام و بأحجام متفاوتة و غطاها بطبقة من الأتربة كما في لوحة الدرويش ، و قد انقسمت مراحل رسم المنمنمة المغولية إلى مرحلتين رئيسيتين
المرحلة الأولى :-
و هي الأقرب للتصوير الإيراني نظراً لاستقدام فناني المنمنمة الإيرانين و لوجود مكتبة هائلة من المخطوطات الفارسية المرسومة في بلاط الإمبراطور جلال الدين اكبر و ازدهرت في القرنين التاسع و العاشر الهجري و تميزت بميزات أهمها رسوم الأشخاص ذات الأسلوب الفسيفسائي في التصوير وغلبة الألوان الأحمر و الذهبي و الأزرق و ازدحام الملابس بالزخارف النباتية و الهندسية الدقيقة كذلك اتباع اسلوب ما عرف فيما بعد بالورش المغولية حيث يشارك أكثر من مصور في رسم المنمنمة فنرى الصور عليها امضائين أو ثلاثة و مقسومة إلى قسمين و الأهم نشوء جيل ثاني من الرسامين الهنود ذوي العقائد و الأفكار و الرؤى المختلفة مما كان له أبلغ الأثر إضافة إلى دخول التأثير الغربي في إيجاد شكل و ملامح خاصة للمدرسة المغولية حفلت بمؤثرات وطنية و غربية .
أما المرحلة الثانية :-
تميزت بالدقة في رسم الأشخاص و اتقان تصوير الطبيعة و مراعاة قواعد المنظور و خلق نوع من الظل أكسبها تجسيم و بعد ثالث كذلك الاقبال الواضح على رسوم البورتريه و الميل للرسم الجانبي طبقاً للتقاليد الهندوسية و البوذية في رسم القصص الديني ، و أيضاً تأثراً بالفكر البوذي أو الهندوسي أوليت عناية خاصة لرسم اليدين لما لإشارات اليدين "المودرا" من أهمية عند الهندوس و البوذيين ، كذلك الإقبال على رسم الحيوانات و الزهور و النباتات تأثراً بالبيئة الكشميرية الزاخرة بالمناظر الطبيعية فقد طورت هذه المدرسة الأسلوب الآري المتأثر بالشرق الإسلامي و أعطته صبغتها الخاصة و لعل أهم ملامح تطوير المدرسة المغولية لاسلوب تصوير المنمنمة أتى في الفراغ فعندما أرادوا التعبيرعن أجسام علوية مليئة بالعاطفة وضعوها في أعلى اللوحة قرب البرواز أو بحجم أصغر قليلاً عن باقي الأشكال و كان هدفهم الأساسي هنا إظهار أهمية الشخوص و أهمية ما يقومون به و ليس إظهار الفراغ الذين يتحركون فيه و في القرن السابع عشر بدأت في التغير فقد أصبحت الخلفيات ترسم بحجم اصغر و بألوان باهتة لخلق بعد و مسافات و كذلك بدأ استخدام المنظور على النظام الأوروبي .
مدرسة الراجبوت :-
ظهرت المدرسة الراجستانية خلال القرن السادس عشر الميلادي 1550م و مع الربع الأخير منه ظهر تاثير قوي للمدرسة المغولية في التصاوير المدرسة الراجستانية نتبجة لعلاقات المصاهرة و التبادل التجاري و الفكري بين الراجوات و اباطرة المغول و نزوح بعض الرسامين المدرسة المغولية لبلاطات الراجبوت مما كان له أبلغ الأثر في إنعاش التصوير الراجستاني ، و قد حملت تصاوير الراجبوت نظراً لهذا بعض الملامح الفارسية و لكنها اختلفت كل الاختلاف عن المدرستين الفارسية و المغولية المعاصرة لها فقد جمع مصورو الراجبوت تقاليد أسلافهم في التصوير و بين طرق تصوير الفن الشعبي في فترتهم ليصنعوا طرزاً جديداً صوروا به المأثورات الشعبية الهندية و القصص ديني على خير وجه .
و لعل أكبر الفروق التي تظهر في الأسلوب الراجستاني عن الأسلوب الهندي تعود بالدرجة الأولى للخلفية الدينية و الفكرية لكلتا المدرستين فالتصوير الراجستاني كان همه الأول تصوير الحياة اليومية للإنسان العادي أفراحه و آلامه و معتقداته و أزيائه و كل ما يمت له بصلة على اللفية الدينية الهندوسية و تبدى ذلك واضحاً في رسوم الحيوانات بينما كان هم الفنان المغولي تصوير أكبر قدر من الواقعية و تمجيد الملوك و السلاطين بأكبر قدر من الفخامة و الأبهة فبينما كان تركيز الراجستان على إعطاء أكبر إحساس من الرقة و الشاعرية كان المغول يميلون للفخامة و الأبهة ، أما عن المحتوى فمحتوى الفن المغولي عامة كان أكثر واقعية من محتوى الفن الراجبوتي بالرغم من التقارب في الأسلوب فالتقاليد التصويرية الراجبوتية استمدت من تقاليد الرسم الهندية ما يعرف باسم الواقاعية الانتقائية Selective Realism وهي محاولة إظهار الجوانب المنتقاه من الواقع على حساب جوانب أخرى ، كذلك فإن طريقة وضع الزخارف النباتية و أماكنها و أشكالها و وضع الهالات على الرؤوس كان تخيلياً تماماً بينما عناصر اللوحة مثل الملابس و الحمامات و شكل الأدوات كان يراعي في تصوير الدقة و الواقعية بشكل كبير كذلك محاولة الحفاظ على تقاطيع الوجه و الشكل العام للشخص و يتبدى ذلك في بورتريه "شاه جيهان" عندما كان اسمه الأمير "خورام شاه" و صورة الراجا "كيبرال بال" .
لقد امتاز القرن السادس عشر الذي ازدهرت فيه مدرسة الراجبوت بنزعة إحياء التراث الشعبي الوطني الهندي و ازدهار مذهب الكاهن "رام أناند Ram Anand " في إحياء الهندوسية فأقبل الناس على القصص الديني و الملاحم الشعبية مثل الراماليلا و الماهابهارت مما كان له أبلغ الأثر على رسوم المدرسة و الوانها و قد تميزت هذه المدرسة نتيجة لذلك في أنها بدلاً من توضيح النص بالصورة كما في كل مدارس التصوير الإسلامي الأخرى اصبح النص او القصيدة يكتب لكي يوضح تفاصيل القصص الأسطوري المرسوم ، كما امتازت أيضاً باحتفاظها بشكل المخطوط القديم منذ عهد الجاينيين عن ورق النخيل و هو الشكل كثير الاستطالة رغم استعمال الورق الذي وفد إليهم من المغول و كان يرمز إلى الثقوب الثلاثة التي كانت تجمع ورق النخيل بثلاث نقاط حمراء مزخرفة ، فرغم أن هذه المدرسة استقت الكثير من الأساليب الفارسية التي وصلتها عن طريق التجارة البحرية و كذلك أساليب جيرنها المغول مثل الألوان الغنية و القوية و استعمال اللون الأحمر و الأزرق و الذهبي و الزخارف الدقيقة على المنسوجات و لكنها أحتفظت أيضاً بالكثير من أساليب الرسم الجايني و البوذي مثل رسوم الشخوص التي تشبه الدمى في وضع جانبي و تفاصيل الوجه الذي ترسم فيه العين على شكل عين طائر و استطالة مبالغ فيها في الأنف و الضفائر الطويلة للنساء و الملابس الشفافة ، كذلك تميزت بمميزات اختصت بها مثل المباني البيضاء الناصعة و خلو الخلفيات من الزهور و النباتات و الزخارف بعكس مدارس المنمنمات الأخرى .
كما كان رسم البورترية الراجبوتي مميزاً جداً فقد اتبع التقليد الهندي الذي ينص على أن رسم البورتريه جغرافياً و تقليدياً يكون دوماً أقرب إلى موطن رسمه و منشأه و لذلك فقد أثرت فنون الشرق الأدنى القديم على أسلوب رسم البورتريه في المدرستين المغولية و الراجبوتية رغم أن شعبية هذا الفن من الممكن تتبعها لحقبة الجوبتا (350-700ق.م) و كهوف آجانتا بين الفنانين المحترفين و الهواة على حد سواء ،و لعل من أجمل أمثلة البورترية التابع لمدرسة الراجبوت في القرن الثامن عشر الميلادي رسم من منطقة جايبور موجود في متحف الميتروبوليتان يعرف باسم كريشنا و هو لأمير عاصر تلك الحقبة و هذا الرسم الكبير رسم كمخطوط أولي لرسم حائطي بأسلوب التحديد الخطي و ملأ المساحات بالألوان و يظهر فيه استيحاء الأسلوب الهندي القديم بتشكيل أجزاء الجسد على هيئة أشكال مستمدة من الطبيعة فالعيون على شكل اللوتس و الحاجبان كالأقواس و الرأس في وضعية البروفيل بينما الجسد اتخذ الوضع المواجه الأمامي و هناك بعد حسي في الصورة متحقق بتكرار الانحناءات في الحواجب و الشفاه و العيون و وجود ظل خفيف على الوجه يوحي بالنعومة و الراحة و الاسترخاء و على الرغم من ضعف الملامح الذكورية و طغيان الملامح الأنثوية على الوجه لكن خطوط الوجه الواضحة توحي بالاناقة و الفخامة و اكتمال الفتوة و الشعر صور بشكل زخرفي واضح خاصة الخصلتين ذات الشكل الثعباني المتدليتين على الوجه و الجواهر و الريش المثبتتين على تاج الرأس تتكامل مع باقي التصوير خالقة نوعاً من الراحة البصرية للشكل الجامد فالخط هنا ليس إلا جزء من الترتيب الجمالي للحركة تعكس دوماً مفهوماً غامضاً لا يذكر لنا شيئاً عن شخصية أو أفكار و مثل عامة و بالتالي فهو لا يرتبط بزمان معين و لا مكان معين من حيث الفكرة و يمكن تتبع أمثاله إلى كهوف آجانتا و ألورا و حقبة الجوبتا حيث يمثل الأسلوب الكلاسيكي الهندي في التصوير و الذي يعكس بالدرجة الأولى مشاعر الرقي و السلام و الهدوء بالإضافة للإحساس بالفخامة و الارستقراطية .
نتائج البحث :-
1- المنمنمة كأي شكل من أشكال الفنون انعكاس جمالي للبيئة و الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الظروف التاريخية للعصور التي انتجت فيها و لذلك غالباص ما كانت الأساليب المتبعة في انتاجها تتغير و تتعدل وفقاً للمزاج العام فالظروف السياسية و العلاقات التجارية و الثقافية للأمم التي انتجتها و كذلك للمذاهب الدينية السائدة .
2- ساهمت الرسوم البوذية لكهوف آجانتا في إرساء القواعد الفنية للمدارس البوذية و التي أصبحت بعد ذلك القواعد الأساسية التي قامت عليها مدارس التصوير الآسيوية كلها فهي أول من أرسى قواعد الساندانجا و رسوم المنظور و أدخل الفواصل الزخرفية و رسوم السجاد و منها انتقلت هذه الرسوم عبر ممرات التجارة و الحجيج لانحاء آسيا و منها أيضاً استقيت أساليب تلوين و تصوير الكتب بمدارسها المختلفة و منها أيضاً استقيت الكثير من أساليب و قواعد الرسم الصيني و بعض تقاليد مدارس التصوير الإسلامي في عصور مختلفة .
3- تأثرت مدرسة التصوير العربي بالعديد من المؤثرات البوذية الهندية و الصينية و التبتية و إن كانت ظهرت في العناصر و الألوان و تحديد الرسوم بخطوط و ليس في الأسلوب مباشرة و من أهم ما نقله المصورين المسلمين عن البوذيين استعمال الهالة و الذي عرفه الغربيين أيضاً بعد غزو الإسكندر لوسط آسيا و ظهور ما يعرف باسلوب الجريكوجاندارا .
4- تعتبر المدرسة المغولية في إيران هي أكثر المدارس التي شهدت تأثيرات وافدة من الصين و وسط آسيا لأنه بعد سقوط بغداد كانت الأسر الحاكمة في كل من الصين و فارس و التبت و شمال الهند ترتبط مع بعضها البعض بصلات قرابه و نسب و مصاهرة و الحكام الجدد لم يتحولوا للاسلام إلا بعد عقود من الحكم فطفى التأثير الصيني و البوذي على شكل المنمنمة و تبدى ذلك واضحاً في مخطوطات مثل جامع التواريخ و قد ظهر هذا الأثر في المنظور و الصخور و المياه و رسم السحب و استخدام الظلال و طريقة استعمال الخط .
5- بداية المدرسة التيمورية في تصوير المنمنمة شهد محاولات لدمج الأساليب الوافدة مع الأساليب الشعبية و المحلية لخلق اسلوب وطني جديد مميز و هذا الاسلوب تبلور في مدرسة هراة التي كان المع نجومها المصور "كمال الدين بهزاد" الذي استقى و أبدع رؤية جديدة للمنظور و الفراغ و التكوينات مستمدة من التقاليد الصوفية في السماع و الرؤية الكونية كذلك في ادخال رسوم السجاد و اشكال العمارة و استعمال السلم الروحي السباعي للألوان في رسم المنمنمة محولا الغبطة الروحية لغبطة سماعية فمرئية و لعل دراسة فناني بهزاد للظواهر الميتافيزيقية و دراسة فناني آجانتا لنفس الظواهر الميتافيزيقية ساهمت في أن كلا الآسلوبين كانا مقاربين لبعضهما البعض .
6- تميزت منمنمة العصر الصفوي بالميل الشديد إلى الأساليب الوطنية نظراً لأن الدولة الصفوية كانت الدولة الوطنية الأولى منذ العهد الساساني و قد اجتهد الفنانين فيها في دمج الأساليب الوافدة و اضفاء الصبغة الوطنية عليها لكي يرضوا الاسرة الحاكمة و توحدت الأساليب في اسلوبين رئيسين و لكن هذه المدرسة شهدت اضمحلالاً شديد في نهاية عصر الصفويين لقلة الاهتمام بالمنمنمات .
7- نتيجة لانتقال العديد من فناني مدرسة هراة من تلاميذ بهزاد للهند تأسست مدرسة جديدة في رسم المنمنمة هي المدرسة المغولية الهندية التي اجتمعت فيها كل أساليب المدارس الفنية العربية و اضيفت إليها الأساليب الهندية الشعبية و تفوقت في فن البورتريه و إدخال الحياة على التصاوير و كذلك عرفت هذه المدرسة التخصص في رسم أجزاء المنمنمة و براعة في تصوير اليدين و محاكاة الطبيعة .
8- في مدرسة الراجبوت اندمجت الأساليب الهندوسية مع الأساليب الهندوسية في التصوير و كذلك في رسم البورتريه و ظهرت فيها ملامح من الفن الهندي و الآجانتي إلى جانب الفارسي و الاسلامي في تواءم و انسجام .
9- ساهمت الغزوات و الفتوحات و العلاقات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و البعثات التبشيرية الدينية و انتقال الحجيج و هجرات الفنانين عبر طريق الحرير و في مدنه في تضافر و تفاعل اساليب و أشكال فنية كثيرة و أفكار فلسفية و عقائدية و مضامين فكرية انصهرت كلها في بوتقة تفاعلية تأثرت بالظروف السياسية و الجغرافية التي وجدت في عصورها لتنتج أشكال تصويرية مميزة في قالب تصوير المنمنمة تنوعت بتنوع العصور و الأماكن و الأزمنة .
مراجع :
1- ثروت عكاشة – التصوير الإسلامي المغولي في الهند – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995م
2- سعاد ماهر محمد - الفنون الاسلامية– الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م .
3- سماء يحي – القيم الجمالية و التعبيرية لفنون حضارات وسط آسيا كمدخل لانتاج أعمال تصويرية معاصرة - ﺭﺴﺎلة ماجستير ـ ﻏﻴﺭ ﻤﻨﺸﻭﺭﺓ ـ ﻜﻠﻴﺔ الترﺒﻴﺔ الفنية ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺤﻠﻭﺍﻥ ـ ﺍلقاﻫﺭﺓ 2005م
4- نعمة اسماعيل علام - فنون الشرق الأوسط في العصور الاسلامية – دار المعارف 1977م.
5- صلاح أحمد البهنسي - مناظر الطرب في التصوير الإيراني في العصرين التيموري و الصفوي– مكتبة مدبولي 1990م.
6- هشام عبد العزيز – الغناء و الرقص في الإسلام – دار الخيال 2000م
7- إيـاد حسـين عبــد الله - سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية – مجلة الرافد – تصدر عن دائرة الثقافة و الإعلام – حكومة الشارقة
8- أحمد باث تيمور - التصوير عند العرب– مكنبة الاسرة - سلسلة الفنون 2006.
9- أسعد العرابي - مدرسة بهزاد في الرسوم الإيرانية و صراعه مع التقاليد الصينية - مجلة العربي
10- فاطمة عبد اللطيف أحمد - دراسة جمالية من منظور هندسي لمخطوط "البستان" للمصور " بهزاد"- مؤتمر الفنون الجميلة 100عام من الفن – القاهرة 2011م
11- عفيف البهنسي – أثر الجمالية الإسلامية في الفن الحديث – دار الكتاب العربي 1997م
12- عمر عبد العزيز – تحولات النصوص حول وحدة النصوص الأدبية و الموسيقى االبصرية – هيئة الكتاب 2013
13- ﺯﻴﻨﺏ ﺍلسﺠﻴﻨﻲ : ﺃﺴﺱ ﺘﺼﻤﻴﻡ ﺍﻝﻤﻨﻤﻨﻤﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻝﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻝﻌﺭﺒﻴﺔ ﻭﺃﺜﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺘﺩﺭﻴﺱ ﻤﺎﺩﺓ التصميم لمعلم الترﺒﻴﺔ ﺍلفنية ـ ﺭﺴﺎلة ﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ـ ﻏﻴﺭ ﻤﻨﺸﻭﺭﺓ ـ ﻜﻠﻴﺔ الترﺒﻴﺔ الفنية ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺤﻠﻭﺍﻥ ـ ﺍلقاﻫﺭﺓ .ﻡ ١٩٧٨
14- Benjamin Roland – Art in East and West – Harvard University Press – Cambridge 1945 .
15- Surendra Nath Dasgupla- Fundamentals of Indian Art – Published by Bharatiya Vidya Bhavan 1954.
16- Mary Tregear - Chinese Art –Thames and Hudson – London 1976.
17- Johan Elverskog – Buddhism and Islam on the Silk Road –University of Pennsylvania press 2011.
18-Madanjeet Singh – The cave painting of Ajanta–Thames and Hudson – London1967 .
19- F.S.C. Northrop- The Meeting of East and West – The Macmillan Company – New York 1946 .
20-Yuka Kadoi- Islamic Chinoiserie the Art of Mongol Iran – Edinburgh University Press2009
21- The Silk Road "The bridge between Eastern and Western Cultures" –Volume8- Silk Road Foundation – Washington 2010
22- Chinese – Iranian relations – xii Mutual Influences in painting – Encyclopedia Iranica
23- Heinrich Zimmer- The Art of Indian Asia – Published by Bollingen Foundation- New York1960 .
24-Asok Kumar Das – Mughal Masters further studies – Marg Publications – India1998.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق