الأحد، 4 ديسمبر 2016

المنمنمة على طريق الحرير .... بين الواسطي و بهزاد - مقال سماء يحيى - مجلة الهلال عدد ديسمبر2016

عندما خرج العرب من شبه جزيرتهم إلى آفاق العالم كانوا محملين بتراث فكري وثقافي ودين جديد جعل لهم فلسفتهم الخاصة ورؤيتهم المتميزة للعالم والكون من حولهم ولكن هذه الرؤية الوليدة لم تكن قد تطورت بعد بما فيه الكفاية لتشكل فنوناً وعلوماً تميزها وتعبر عنها ولهذا فقد كان المجال مفتوحاً لكل من إنضم لهؤلاء العرب وإعتنق فلسفتهم سواء كان إنضمامه عن طريق الفتح أو الإتصال الحضاري المباشر ليساهموا في تشكيل الرؤية الثقافية للحضارة الوليدة ويمنحوها جزء من سمات حضاراتهم الثقافية وهذا ما حدث بالفعل لأن الحضارة الجديدة كانت منفتحة لإستيعاب كل المؤثرات التي من الممكن أن تفد عليها وتثريها ،ولذلك أنتجت الحضارة الوليدة فنوناً وآداباً متنوعة وذات مشارب إختلفت بإختلاف الأماكن التي حلت فيها وإن قامت على نفس القاعدة الفكرية والفلسفية ،ولم يكن فن المنمنمات الإسلامية إستثناء في هذا المجال فالفن الذي جمع بين الأدب المحكي وفنون الخط العربي واللوحات المصورة تنوعت مدارسه على إختلاف العصور والمناطق التي وجد فيها وإن كانت هذه المدارس قد تأثرت ببعضها البعض كما تأثرت بجيران المناطق التي نشأت فيها عبر طرق التجارة والغزو وعلى الأخص طريق الحرير لذلك لم يكن غريباً أن نجد أثراً صينياً أو بوذياً ولو بسيطاً في المنمنمات العربية في مدرسة بغداد أو في المدرسة المملوكية وأثراً بيزنطياً أو ساسانياً في المدرسة التيمورية ومدرسة هرات ،فالنظرة الجغرافية والتاريخية تؤكد علاقة فن المنمنمات بفن التصوير في الحضارات الأخرى ،فأثر الفن الروماني ظهر عليها عندما تحول أول باني كنائس إلى بناء المساجد في دمشق واول باني معابد إلى بناء الجوامع في فارس واول مهندس بوذي إلى بناء مساجد أيضاً في هرات ووسط آسيا والمنمنمات تعد التعبير الإنساني الأقوى في الفنون الإسلامية ،فالمنمنمة بتكوينها الجمالي والإجتماعي والنفسي كانت بمثابة المرآة الدقيقة التي تعكس إيقاع عصرها فهي محصلة فكرية وجمالية لتقاليد وسلوكيات وقيم ،وفي سياقها التاريخي الجمالي ليست مجرد عملية فنية وإنما تحديد لأنماط البيئة التي يعيشها إنسان عصرها في كل جوانبه الإجتماعية والإقتصادية والثقافية مجتمعة في قاعدة مثالية للفعل الإنساني سواء قامت فكرة رسمها على المذهب الواقعي أو المذهب الرمزي حيث رسم المنمنمات إتجه إلى أسلوبين ،الأول هو أسلوب المدرسة العربية التي أثرت فيها مؤثرات بيزنطية وساسانية وهندية جعلتها أكثر ميلاً للوضوح والمباشرة وأقرب إلى الإختزال والزهد في التفاصيل وكان ابرز أساتذتها يحيى بن محمود الواسطي ،أما المدرسة الثانية فكانت المدرسة الفارسية التي إختلطت فيها المؤثرات الصوفية القادمة من وسط آسيا مع المؤثرات الصينية والمانوية والهندية أيضاً لتخلق رسماً أقرب للتمثيل والمحاكاة ولكنه مع ذلك يحمل معان رمزية عميقة وكان أبرز أساتذة هذا الأسلوب هو كمال الدين بهزاد ،وعلى الرغم وجود قرنين كاملين من الزمان يفصلان بين الواسطي وبهزاد إلا أن كليهما يعدان العلامتان الأبرز لفن المنمنمة الإسلامية التي رغم كل الإختلافات السابقة أصطلح على وجود عدة عوامل رئيسية توحد كل الموجودات في رسومها على تنوع منابع رؤيتها والمؤثرات على مدارسها.
الأول هو شدة تأثير المضمون الفكري والحكائي والروائي للمنمنمة في وحدة الموضوع وتسلسل الأفكار والأحداث والوقائع مما يجعل كل المفردات ترتبط بهذا الأصل فلا تحيد عنه مهما إختلفت وتنوعت مفرداتها.
والثاني هو أن كل المنمنمات عملت على إعادة صياغة كل الموجودات في شكلانية صورية إتصالية تعي بدرجة عالية قيمة التكوين الفني ضمن المنطق الجمالي للفن الإسلامي والذي إستوعب كل التأثيرات الفنية والجمالية والرموز التراثية والشعبية للأمم والشعوب التي إنطوت تحت لوائه فتحول تنوع الثقافات والمفردات إلى ثراء جمالي تزخر به المنمنمة في محاولة للإفصاح عن كل شيء في هذه المساحة المحدودة.
والثالث أنه في كل الفنون الإسلامية وعلى الأخص فن المنمنمات تكون دلالات اللون بالدرجة الأولى تعبيرية وجمالية وهي بالدرجة الأولى مرتبطة بنور الخالق ( نور الله ) وبنور القلب ( نور الإيمان ) فالنور في المفهوم الإسلامي مرتبط بالإيمان والظلمة ،بالقبح والطغيان وهو المفهوم الذي إنعكس على اللون فكلما كان مشعاً ومضيئاً كان دليل على العدل والقسطاس والخير الإلهي وكلما كان قاتماً كان مقترناً بالظلمة والقبح وعرف فنانوالمنمنمات تصنيف الألوان الحارة والباردة وإستعملوها منذ مدرسة بغداد ويبدو هذا المفهوم واضحاً في رسوم الواسطي لمقامات الحريري كما هو أيضاً في رسوم بهزاد رغم إختلاف فلسفة إستخدام هذه الألوان ،فالأزرق عند الواسطي مرتبط بالسماء ولون الماء وجوهر الحياة أما الأخضر الناتج عن إندماجه بالأصفر فهو دلالة للأرض الخصبة الطاردة لأصفر الصحراء وهو نفسه اللون الدال على المستقبل اللامعلوم ،ومعاكسها اللون الأحمر وما يتبعه من درجات سلم الألوان ،أما بهزاد فهو لم يرى الألوان بهذه المباشرة بل أضاف لطريقة إستعمالها بعداً صوفياً متمثلاً في أن ظواهر الوجود موصولة بالموسيقى الكونية والتوازن الذي جعله الله أساساً لهذه الظواهر منذ خلق الكون وهذا الفكر اللوني الذي طوره بهزاد يرى أن سلم الألوان مرتبط بالسلم الموسيقي للسماع وللرؤية الفلسفية الصوفية ،فالسماع هو حقيقة ربانية ولطيفة روحانية تسري من المستمع إلى الأسرار بلطائف التحف والأنوار وعند نظم الألوان إرتباطاً بموسيقى السماع فإنها ترتبط بأسرار الباطن والتجربة العرفانية الوجودية وهكذا تميزت رموز بهزاد بالتعبيرية اللونية وبدت فيها حوارات الألوان أكبر تأثيراً وأهمية من دلالات الأشكال وهو ما يختلف تماماً عن ماهية اللون والشكل عند الواسطي الذي حافظ على التقليد البغدادي في الرسم بالمداد الأسود محدداً الأشكال وأيضاً مستخدماً الخط الأسود بالقلم لتحديد التفاصيل لأن السيد في الصورة هو الخط والإهتمام الأكبر له كان إيجاد نوع من الديناميكية في حركته أما إعتماد اللون فكان لإعطاء إحساس بالضوء والعتمة والحركة والتكوين لذلك كان الواسطي مقتصداً في إستخدام الألوان لصالح الخطوط المعبرة اللينة والإهتمام بالإيقاع الحركي للخطوط رغم أنه إستخدم كذلك اللون كمساحات في بعض الأحيان لإعطاء الصياغات اللامتناهية لمنمنماته شأنها شأن كل الفنون الإسلامية ،وكان هذا بلا أي تناقض مع أن هذه المنمنمات تعكس في البدء والمنتهى مشاهد حياتية ولعل منمنمة طريق الجمال أبرز مثل على ذلك فالبعد الحياتي الظاهر فيها لم يحول دون نجاح الواسطي في التوفيق بين الحلول التشكيلية المختلفة وقد برز الإبتكار الفني بها في حركة أقدام الجمال المستمرة والموحية باللاتناهي وهي في الوقت نفسه توحد أجزاء القافلة ككل واحد ،أما تدرجات الإضاءة اللونية فقد ساهمت في إعطاء المشاهد حالة من التناغم والإنسجام بين أجزاء المشهد كما أعطى إختلاف حركة الجمال من جمل لآخر الإحساس بالتنوع في داخل الوحدة الواحدة وساهم في إعطاء إحساس زمني عبر إختلاف الأوضاع والأمكنة ،كل هذا أعطى حيوية للمشهد وكسر السيمترية المتعارف عليها في الفنون الإسلامية، فالخط المحيط عند الواسطي وإهماله للمنظور وتناقص الحجم بالنسبة للبعد جعل المنمنمة بلا نقاط تلاشي ،والبعد والقرب فيها يعتمد بالكامل على الجوانية والعاطفية أو ما يعرف بإسم فعل النفس وتقصي الواسطي لحركة الخط من المبدأ إلى المنتهى وبهذا وضع مكاناً للزمان وزمان للمكان فالحركة من المنشأ للمنتهى هي زمان حاضر طالما أوجدت الرؤية زمان يجمع مابين الواقع ليتلاقى مع اللامتناهي في الوجود أي أن الخطوط في منمنمة الواسطي محملة بفلسفة مرتبطة بالزمان والمكان لوجود نقاط تتحرك مكونه الخط خالقة حقيقة زمانية ومكانية متغيرة لتغير شكل الخط إعتدالاً أو إنحناء أو تكراراً ،أما بهزاد الذي كان اللون هو السيد في منمنمته فقد إعتمد بشكل مطلق على السطوح الملونة ذات البعدين دون أدنى تدرج للظل والنور ودون إهتمام كبير بالتعبير عن الكتلة فتتوزع الألوان الباردة والحارة كما لحن موسيقى وفق مقام لحني مطابق لشرح السهروردي للسماع بأنه توحد الحواس في ساحة القلب كمركز للتجلي وعلى هذا فإن اللون الذي يخاطب البصر موسيقياً بالمواكبة للشعر أو القصة المكتوبة التي تخاطب حواس السمع والإدراك هو ايضاً له صوت خاص يعكس صدى الروح .
وهنا يظهر الفرق بين أسلوب الواسطي الواقعي والتعبيري المختزل والذي يحمل الكثير من رؤية الفنان الخاصة وإنطباعته عن الموقف في الحكاية التي يصورها وبين أسلوب بهزاد المعتمد على واقعية محاكاة التفاصيل الدقيقة التي تصيغ أفكار مؤلف الحكاية ويعتمد على حرفية قوية وبالأخص في توزيع الألوان وصياغة تقريرية محملة بالمعاني الرمزية ، هذا وقد كان بناء المنمنمة عند الواسطي أميل للتسطيح والإهتمام ببعدين هما الطول والعرض بلا منظور عمقي تأكيداً على أهمية المفهوم الرمزي للمكان وعلى إمتداد اللوحة في الوجود الكلي اللامتناهي والمفهوم الزماني المتغير وهذه الطريقة في التكوين تتيح تعدد زوايا الرؤيا وقد عزز الواسطي مفهوم المكان والزمان لديه أيضاً بالطابع المعماري للوحة وتقسيمها لطبقات متعددة ذات تركيبة هندسية تبرز فيها العمائر وواجهات الأبنية إما بشكل واقعي دقيق أو كأنها أطر خشبية تحيط بالرسوم الآدمية وتفصلها عن النص ،وكان لتقسيم الصورة بهذه الطريقة هدف آخر غير هدفها الرئيسي في التوحد مع الوجود شأنها شأن كل الفنون الإسلامية وهو هدف إجتماعي لتبيان الفوارق الطبقية وكذلك أحياناً ليعبر عن إزدواجية الموقف حيث تظهر حالة مجموعتين مختلفتين في نفس الوقت الحفاظ على تسطيح الصورة والحفاظ على الفراغ فيها والذي أحياناً ما بلغ الإقتصاد بالفنان لتركه بدون ألوان كان لإظهار الطابع الروحي المتصل بالإرث الباطني الإسلامي الذي كان يرى أن أشكال المخلوقات بكليتها هي وساطة لحركة الروح المتجسدة مادياً ،أما العمارة التي كما أسلفنا كان تقسيمها إلى مستويات تعمل عمل المنظور فمنها ما يخفت في العمق ومنها ما هو متداخل لتكون بمثابة الرابط الجامع بين أجزاء اللوحة لتجتمع في بناء هندسي محكم من الأقواس والمنحنيات والخطوط ومع كل هذا حافظ الواسطي على واقعية رسومه وعلى كونها وثيقة تسجيلية للحياة الواقعية في عصره وهو بهذا تميز عن كل من سبقوه أو لحقوه بتركه لنا سجلاً واضحاً عن كيف كانت الحياة وطبائع وعادات الناس في عصره ،كما كان الأول أيضاً في رسم الجسد الإنثوي عارياً وتصوير المرأة في إطار ممارسات الحياة اليومية من غزل الصوف إلى التسول وربما كانت لوحته الولادة أبرز مثال على ذلك كما أنه أيضاً وعلى مستوى الشكل كان أول من رسم ملامح عربية قريبة الشبه بملامح معاصريه من إستقامة العينين وشكل الأنف والشعور المسترسلة حالكة السواد والثياب الفضفاضة ذات الحواف المزركشة كما أنه أيضاً أبدع تراكيب جديدة مبتكرة بعيداً عن أعمال من سبقوه وبعيداً عن المؤثرات الخارجية التي أثرت على الحياة الفنية في عصره مثل تجمعات الجمال والخيول والحيوية في الشكل الإنساني فالوجوه لم تكن جامدة بل كانت تنطق بتعبيرات الحزن والفرحة كما أن حركات الأصابع وشكل الأيدي كانا دائماً ما يعبران عن الموقف الحكائي ،والتركيب الهندسي للوحته وبهذه المفاهيم الثورية والتقدمية نقل لنا الواسطي الحياة اليومية الواقعية كما كانت في عصره سابقاً بذلك الأوروبيين فالأفق الرحب للفنون الصينية والمانوية والهندية ( فنون الجاندارا ) والبيزنطية والفارسية التي إنتقلت عبر الفتوحات والتجارة التي عاصرت الواسطي وأثرت على أعمال سابقيه لم تؤثر على عمله إلا تأثيراً شكلانياً لا يكاد يظهر إلا في بعض الزخارف وأشكال الملابس وأحجام العناصر البشرية بالإضافة للهالة التي تحيط برؤوس الشخوص الرئيسيين وبهذا كان ظهور الواسطي بمثابة الومضة المشرقة في زمن إنهيار وقلق فكري عميق أعيد بها إحياء مدرسة الفن العربي وإعطاء الحيوية لها وحطم كل المفاهيم الجامدة وليمتد أثره لعشرات الأعوام التي تلت سقوط بغداد في يد المغول.
وعلى عكس الواسطي كانت رؤية بهزاد للفراغ متفقة مع الرؤية الهندية ويرجع ذلك إلى أن الموسيقى الهندية القديمة كانت واحدة من اهم مصادر موسيقى السماع وأن الكثير من الأفكار الصوفية تضرب بجذورها حتى الفلسفات الهندية القديمة لذلك كان مفهوم ما يعرف بالفراغ الروحي ( شيداكاشا ) هو المتبع في المنمنمة ورمزية أن يوضع خط يفصل بين الفراغ أو الخير الذي يشغله اللون والخير المحيط به من خلال إرتباط توزيع اللون مع توزيع الفراغ وإنسجامهما مع بعضهما البعض يتولد خلق الأشكال وتناغمها فالإحساس بالتناغم الذي يحكم كل مقاييس الجمال يخضع لفكرة أن الفراغ هو الذي يحتوي كل أجسام الحيوانات والنباتات والمظاهر الطبيعية ويوحدها مع بعضها منذ بدء الخليقة وهذه الطبيعة تدخل بصورتها إلى أعماق ذهن الفنان لتولد الأشكال التي يرسمها وبهذا يكون الفراغ المحسوس العقلي هوالذي يتحكم فعلياً في عملية رسم الخطوط وتوزيع الألوان ،الإحساس بالتناغم وإعطاء القدرة على التعبير وخلق حالة الإتزان بين العناصر وبالنسبة للتكوين إستلهم بهزاد فكرته من حقيقة أن الكون كان سديماً وجاءت كلمة الحق " كن " فدار السديم دورة إستمرت منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا فقد جاءت الحركة الميكانيكية النابعة من أمر الحق كإشارة حاسمة للتوازن الذي صنع الكون وشكل موسيقى الوجود والحركة التراتبية لليل والنهار وتبادل المواقع والفتق والرتق وإستيحاء لهذا الإنسجام والنظام أقام بهزاد بناء الشكل بنظام قائم على التوازن الدقيق لعناصر الصورة بناء على إتزان محوري وإتزان إشعاعي ،الإتزان المحوري قام من خلال محاور أفقية ورأسية تتقاطع في مركز تكوين الصورة عن طريق التحكم في الجانبيات من خلال الدوران حول نقطة مركزية بحيث تتزن حول هذه النقطة جميع القوى المتعارضة من أشكال وألوان وملامس وينتظم التكوين كله ككتلة متوازنة حول محور أو أكثر من محور وهكذا لا تنظر العين إلى الأشياء نظرة محددة بل هي تنتقل من بؤرة الصورة إلى حواشيها بحركة متصلة لولبية ويمر خط النظر بأهم النقاط القائمة على الأشكال فالكائنات والكون هنا موجودان بالنسبة لخالقهما وليس وجودهما قائماً بالنسبة للإنسان ولهذا فإن الأشياء والمشاهد ترى من خلال عين الله المطلقة وتتمحور حول مركز النور في إتزان إشعاعي لذلك تخلق الصورة واقعاً جديداً يفرض نفسه على الناظر أما الزمان والمكان فجوهرية العناصر وطريقة توزيعها على مساحة المنمنمة وشكل العلاقة بالفراغ المحيط بها يعكسان إستمرارية الزمان وكونية المكان وقد أتاح هذا المفهوم للزمن المفتوح فرصة لتجديد عنصر المكان وتوزيع العناصر على الفراغ بما يتلاءم مع رؤية بهزاد المتأثرة بإيمانه بوحدة العوالم عند الصوفية لذلك كان منطقه للألوان شطحي غير واقعي وكانت أحداثه تجري خارج خصائص الليل والنهار وتمايز الفصول وشخوصه اقرب إلى الحلم ملامحها لا تحوي إنفعالات وكانت هذه الحالة التي أبدعها بهزاد هي ذروة الرمزية في أساليب رسم المنمنمة الإسلامية وقمة تحويل المذاهب الميتافيزيقية والكونية لمفاهيم فنية بصرية فبهزاد يعد المؤسس الأول للمدرسة الصوفية في تصوير المنمنمة ولذلك فإنه حتى في تصويره لمشاهد الحياة اليومية كمشهد الحمام في خمسة نظامي ومشاهد السلاطين وحتى مشاهد الدراويش كان يتبع أسلوبه الرمزي وقدرته الهائلة على حشد وتوزيع الأشخاص وتوزيعهم بين المباني نتيجة لرؤيته للمنظور ،وقد إتبع بهزاد التناغم في إختلاف ملامح الأشخاص ولون بشرتهم ربما لتعدد المناطق التي عاش فيها ولأنها كانت ممرات تجارية ولعل أهم علامته أنه دائماً ما كان يرسم عبداً أسوداً في كل منمنمة وللطابع الرمزي والوجداني لبهزاد فقد كان له الفضل في إدخال العديد من الزخارف النباتيه والرسوم المميزة في السجاد كما انه كان يلجا كثيراً للشفافيات في عمله لأعطاء البعد الروحي.

ومن هذا يتبين ان كلاً من الواسطي وبهزاد تأثراً بالثقافات الوافدة عليها لكن تأثر الواسطي كان شكلانياً ومحدوداً بينما تأثر بهزاد كان فكرياً وكبيراً وأثر كثيراً على أسلوبه ورغم أنه من النظرة الأولى يظن الرائي أن كلاهما إعتمدا رؤية عين الطائر إلا أن الحقيقة أن المنظور عند كل منهما وفكرته عن ماهية الفراغ ونظرته للزمان والمكان كانتا مختلفتين بالكلية فأحدهما وهو الواسطي كان واقعياً يهدف إلى إبراز تفاصيل الحياة اليومية والإجتماعية والثاني كان متصوفاً قحاً يريد للرائي أن يشعر بجوهر العالم.

الواسطي- الصورة الوحيدة من مقامات الحريري التي بها  إطار وتمثل أمير يجلس علي العرش الجلسة الشرقية حوله اثنين من العازفين ويعلوه اثنين من الملائكة ذوات الأجنحة المدببة والأشكال النباتية و العنصر الزخرفي المجنح مستوحى من أعمدة الساسانيين نلاحظ أن هذه الصورة مزدحمة - يظهر علي الوجوه ملامح آسيوية في إشارة لطبقة الأتراك  - المكتبة الأهلية بفيينا

الواسطي – لوحة الولادة أبرز مثال على تركه لنا سجلاً واضحاً عن كيف كانت الحياة وطبائع وعادات الناس في عصره  الأول  رسم الجسد الإنثوي عارياً وتصوير المرأة خلال الحياة اليومية ومهامها من غزل الصوف إلى التسول

الواسطي -حوار بالقرب من قرية من مقامات الحريري-  يتضح فيها مزج بين أسلوب الفنان وبين عناصر فنية مختلفة عرفتها بلاد الرافدين والاشوريون و بلاد  الشرق الأدنى - القرن الثاني عشر الميلادي السادس الهجري -  المكتبة الوطنية بباريس

يحيى بن محمود الواسطي - صور  مقامات الحريري من النسخة الأشهر نسخة «شيفر» المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس - بغداد سنة 634هـ1237م

يحيى بن محمود الواسطي - صور  مقامات الحريري من النسخة الأشهر نسخة «شيفر» المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس - بغداد سنة 634هـ1237م

يحيى بن محمود الواسطي - امرأة مع قطيع من الإبل - مقامات الحريري - بغداد 1237م - المكتبة الوطنية باريس

احدى صور الواسطي التي زين بها مقامات الحريري  - أبو زيد يفارق الحارث خلال رحلة الحج  المقامة 31  - نسخة من الربع الثاني من القرن الثالث عشر 

يحيى بن محمد الواسطي مقامات الحريري - فرسان في إنتظار المشاركة في استعراض. ، بغداد 634ه، باريس، المكتبة الوطنية

كمال الدين بهزاد - زيارة الرجل الحكيم في كهف - 1495م

كمال الدين بهزاد - بناء المسجد الكبير في سمرقند. مخطوطة ظفر-نامه. هيرات 1467م

معركه مابين تيمورلنك و سلطان مصر من رسومات بهزاد

كمال الدين بهزاد – رسم لميرزا حسين سلطان في المتنزه - ألوان وأحبار والذهب على ورق

كمال الدين بهزاد – غواية زليخة ليوسف  - ألوان وأحبار والذهب على ورق - 1488م هيرات أفغانستان – دار الكتب القاهرة







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق