ملخص البحث المقدم في ملتقى مجلة العربي الثالث عشر "الثقافة العربية على طريق الحرير " المطبوع بكتيب فاعليات الملتقى "
الكويت "3-6 مارس 2014 "
كانت منطقة وسط آسيا و حواضرها عبر طرق و ممرات طريق الحرير معبراً مهماً لانتقال و تواصل العديد من الثقافات و الطرق و الأساليب الفنية عبر الأزمنة و كان لهذا الطريق دوراً محورياً في نقل فنون ارتبطت بديانتين عظيمتين أثرتا في تاريخ البشرية و حققتا جزء كبير من انتشارهما عبر حركة التجارة و الحروب و الغزوات التي مرت من هذا الطريق و هما البوذية و الاسلام فكلتا الديانتين افرزتا تراث ثقافي و فني فذ اتسع ليشمل عدة أساليب ارتبطت بعدد من الحضارات و الثقافات مؤثرة و متأثرة ، و في طريقهما هذا احتكت و تواصلت و تضافرت هذه الطرز و الأساليب الفنية و تأثرت ببعضها البعض على أكثر من مستوى في المحتوى و الفلسفة و الأسلوب التقني الفني و قد بدأ تبلور الفن البوذي في الهند و وسط آسيا .
فقد ظهرت الملامح الأولى للاسلوب البوذي في الرسم و التصوير في كهوف آجانتا البوذية في شمال الهند و قد عكست هذه الرسوم صورة عالية للتناغم و التوافق للقيم الجمالية للموضوع و المعاني التي اريد التعبير عنها وكانت طريقة الفنان في الرسم هي استعمال الالوان و خلق الأشكال و الأبعاد و النظم الايقاعية فكانت الألوان توضع بترتيب معين بحيث تظر المشاهد الأمامية ألمع و اسطع و الخلفية أكثر قتامة ، و قد انتقلت تقاليد رسم الكهوف و استخدامها كأديرة من آجانتا إلى أنحاء متعددة فامتدت لباميان في افغانستان و كهوف تان-هوانج Tun-Huang في شمال وسط الصين و قد كان البوذيين الأول يشجعون فن التصوير أو كما قال بوذاجوشا Budda Ghosha "لا يوجد في الدنيا ما هو أفضل من فن الرسم " و لذلك أبدعوا في تصوير الطبيعة ومشاهد الحياة العادية و المتع الحسية و لكنهم أرسوا نوعاً معيناً من الايقونوجرافيا في تصوير بوذا كرست لشخص فوق تخيل البشر ذو هالة خاصة بملامح مجرده تعكس تفوقه على الطبيعة الكونية ذات شكل اقرب إلى النحت فيها ديناميكية و أيضاً هدوء و سكينة كما أن الفنان الآجانتي أضاف عنصراً جديداً إلى اشكال بوذا و هو الألوان وذلك برسم عباءة بوذا بألوان مختلفة .
و قد ارسيت في هذه الفترة القواعد السته التي سارت عليها كل المدارس و الرسوم في وسط آسيا و انتقلت من الهندوسية إلى البوذية و منها إلى الرسوم الاسلامية و سميت " بالساندانجا "
وهي :
1. معرفة ظواهر الأشياء .
2. صحة الإدراك الحسي و القياس البناء .
3. فعل المشاعر في القوالب الفنية .
4. إدخال عنصر الرشاقة أو التمثيل الفني .
5. مشابهة الطبيعة .
6. استخدام الفرشاة و الألوان استخداماً فنياً .
1. معرفة ظواهر الأشياء .
2. صحة الإدراك الحسي و القياس البناء .
3. فعل المشاعر في القوالب الفنية .
4. إدخال عنصر الرشاقة أو التمثيل الفني .
5. مشابهة الطبيعة .
6. استخدام الفرشاة و الألوان استخداماً فنياً .
هذا و قد اعاد " سايش-هوHsiesh-Ho " صياغة هذه القواعد في القرن السادس الميلادي مرة أخرى لتكون أساساً للحكم على أي لوحة فنية و انتقل هذا الأساس للحكم و النقد كما هو لمدارس تصوير المنمنمة الإسلامية و ظلت محفوظة لم تتغير حتى وقتنا الحالي
و هي كالتالي :-
1- أصداء أو رنين الروح Spirit Resonance - و معناها حيوية الروح التي تشير هنا إلى الطاقة الذهنية التي تنتقل من الفنان للوحته عبر الفرشاة .
2- تقنية العظام Bone Method - و معناها طريقة استعمال الفرشاة في قراءة شخصية المرسوم من خلال تكوينه العظمي في الجمجمة و الجسد .
3- التفاعل مع العنصر و معنى ذلك تحديد الملامح الأساسية للشكلCorrespondence to the object
4- مواءمة النوعSuitability to type و هذا يتعلق بوضع الألوان .
5- التقسيم و التخطيطDivision and Planning هنا نحن نتحدث عن توزيع العناصر و تخطيطها .
6- النقل و النسخ Transmission by copying بمعنى نسخ الموديلات .
و قد أوضح سايش-هوHsiesh-Ho أن العنصر الأول " رنين الروح " هو أهم عنصر من عناصر الحكم على اللوحة و إذا غاب فلا داعي للنظر إليها من الأساس .
لقد أجمع الباحثين على وجود أثر بوذي قوي على الفن الإسلامي خاصة فيما يتعلق بالأشكال الهندسية والنباتية و طريقة رسم الأسود و الشخوص الأسطورية التي زين بها البوذيين عادة الأسطح العادية و استخدموها محفورة على الأحجار و التي نقلت أحيانا كما هي أو معاد تصميمها و مدخل عليها تعديلات لتتناسب مع الثقافة الاسلامية ، و هو الأثر الذي أمكن رصده في قمته تحت حكم أسرة تانج Tang Dynasty ( 618م -908م ) الذي واكب نهاية حكم الساسانيين و بداية الفتوحات الإسلامية و لكن رصد الأثر في أقوى حالاته كان في عصر الخانات ( 1256م – 1334م ) نتيجة لاندفاع المغول عبر الشرق في غزو كان هدفه السيطرة على ممرات الطريق من الصين عبر بغداد نحو مصر من ناحية و نحو أوروبا من الأخرى بالتأكيد كان هناك تفاعل قبل هذا التاريخ منذ منتصف عهد التانج و في عصر العباسيين بعد أسر بعض الفنانين البوذيين في معركة طالاس Talas و استقرارهم في بغداد و الكوفة و لكن لم يتبقى آثار تصويرية لهؤلاء الفنانين من تلك الحقبة ، و ما بقي من بدايات الأثر البوذي على الفنون الاسلامية كان تشكيلات معدنية استوحيت من أشكال الاعمارة البوذية و أشكال الستوبا .
في مرحلة حكم الخانات أصبحت تبريز عاصمة تصوير المنمنمة ، " المنمنمة عبارة عن انتاج فني صغير الأبعاد يتميز بدقة في الرسم و التلوين و هو أسم يطلق عادة على الأعمال الملونة و غيرها من الوثائق المكتوبة المزينة بالصور أو الخط أو الهوامش المزخرفة ".
و تبريز ارتبطت بعلاقات قوية جداً مع الصين البوذية ثقافياً و تجارياً عبر وسط آسيا و كان أيضاً لفنانيها البوذيين باع كبير في أساليب تصويرية مبتكرة انطلقت بعد ذلك لتؤثر في مدارس الفن في تركيا و بغداد و المدرسة المغولية التيمورية التي جمعت بين التقاليد الهندوسية التي اتقيت منها القواعد الأساسية للاسلوب البوذي قبل تطويره في الصين و القواعد البوذية الصينية مضافاً إليها ما أصافه الفرس و العرب .
و رغم أن تصوير المنمنمات الإسلامية عبر طريق الحرير ظهر فيه الأثر البوذي واضحاً خاصة في جامع التواريخ ( تبريز ) و خمسة نظامي ( بهزاد حيرات ) و الحريري ( بغداد ) حمزة نامة ( دلهي ) لكنه تميز أيضاً بإضافة ميزته و أثرت على التصوير الديني البوذي و الهندوسي أيضاً و هو أنه تناول الانسان و الكون في إطار من العرفانية الصوفية متأثراً بتصاعد الحركات و الفلسفات الصوفية في نفس الفترة خاصة فلسفة النور للسهروردي التي أثرت على الشفافيات و اختيار الألوان لحد بعيد .
و عليه فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حول علاقة الفن و الفكر البوذي بالتصوير الإسلامي هو :
- كم عدد العناصر التي انتقلت من الشرق البوذي نحو الغرب الاسلامي عبر طريق الحرير و ما مدى قوتها ؟
- ما مدى قوة تأثير الغزو المغولي الذي مر عبر نفس الطريق في تكوين أشكال و قوالب فنية جديدة؟
و للاجابة على هذه التساؤلات لا يمكن على الاطلاق إغفال التأثير و التآثر ما بين الفن البوذي و الفنون الاسلامية المرئية خاصة في مرحلة ما بعد الغزو المغولي في تشكيل الفراغ و المنظور و الأشكال الآدمية و طريقة رسم السحب و جذوع الأشجار و تصوير و استدعاء انواع معينة من الحيوانات .
د/ سماء يحي